الصفحة الإسلامية

الامام الحسن العسكري.. بين التصدي والإعداد


* جميل ظاهري

 

يقول الامام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام لأبي هاشم الجعفري.. "ياأبا هاشم: سيأتي زمان على الناس وجوههم ضاحكة، مستبشرة، وقلوبهم مظلمة منكدرة، السُّنة فيهم بدعة، والبدعة فيهم سُنّة، المؤمن بينهم محقَّر والفاسق بينهم موقَّر، اُمراؤهم جاهلون جائرون، وعلماؤهم في أبواب الظلمة سائرون، أغنياؤهم يسرقون زاد الفقراء، وأصاغرهم يتقدّمون على الكبراء، وكل جاهل عندهم خبير وكل محيل عندهم فقير; لا يتميزون بين المخلص والمرتاب، ولا يعرفون الضأن من الذئاب، علماؤهم شرار خلق الله على وجه الأرض، لأنّهم يميلون الى الفلسفة والتصوف، وأيم الله إنّهم من أهل العدول والتحرف، يبالغون في حبّ مخالفينا ويُضلّون شيعتنا وموالينا، فان نالوا منصباً لم يشبعوا من الرثاء ، وإن خذِلوا عبدوا الله على الرياء، ألا إنّهم قطّاع طريق المؤمنين والدعاة إلى نحلة الملحدين، فمن أدركهم فليحذرهم وليصن دينه وإيمانه - جاء في كتاب حديقة الشيعة: 592 عن السيد المرتضى الرازي في كتبه: بيان الأديان وتبصرة العوام والفصول التامّة في هداية العامّة عن الشيخ المفيد مسنداً، وفي الأنوار النعمانية: 2 / 293، وكذا في ذرائع البيان في عوارض اللسان: 38.

توصيف بمنتهى الدقة الحكمة للأمام الحسن بن علي العسكري (ع) ونحن نعيش هذه الأيام ذكرى استشهاد المؤلم، لما تعيشه الأمة الاسلامية في عصرنا الحاضر بالتفصيل واضعاً الأصبع على الجراح التي يعانيها المسلمون، وما أبتليت به شعوبنا من حكام فراعنة وأنظمة ديكتاتورية ودعاة متزلفون مزورون للحقيقة، فتاواهم على طبق الإخلاص لمن يدفع الدرهم والدينار، باعوا دينهم بدنياهم وحرفوا الحق عن موقعه يعيدون لنا تاريخ أسلافهم الذين ما برحوا أن انقلبوا على أعقابهم رافعين سيف الجاهلية وسطوة القوي على الضعيف، وجسد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يزال لم يوارى الثرى فهجموا على دار الوحي والتنزيل وأحرقوا الباب التي كان جبرائيل عليه السلام يقف عندها حتى يؤذن له بالدخول لابلاغ رسالات رب العالمين.

قام الامام الحسن العسكري عليه السلام خلال عمره الشريف القصير الذي لم يتجاوز الـ(28) عاماً، بمسؤولية سماوية كبيرة في تصديه للطغاة والفراعنة وأئمة الزيف والتزوير والانحراف الذين يعبثون بعقائد الناس، الى جانب الشق الأهم من تلك المسؤولية ألا العمل على إعداد الأمة الاسلامية لعصر الغيبة والظهور ذلك العصر الذي بشرت به جميع الأديان السماوية وتحدث عنه جميع أنبياء ورسل رب العالمين خاصة أولي العزم منهم عليهم السلام أجمعين.

ست سنوات هي فترة إمامة الامام الحسن العسكري وهي خمس سنوات وثمانية أشهر وخمسة أيام (254-260هـ. ق)، واجه خلالها أكثر حكام بني العباس قساوة وظلماً وطغياناً وتعرض أكثر من أبائه عليهم السلام للأذى، المعتز العباسي 252 ـ 255هـ والمهتد 255- 256 ق والمعتمد العباسي 256- 279هـ ، فكانت شهادة الامام (ع) في أوائل حكم هذا الطاغية اللعين؛ حيث كانوا يتخوفون مما بلغهم من كون الامام الحجة المهدي (عجل) منه، لذا حبسوه (ع) عدة مرات وحاولوا قتله فكان ينجو من محاولاتهم.

الدين الاسلامي الحنيف أكد على وجوب أن تكون قيادة الأمة وسيرتها السياسية والعقائدية من مهام الأئمة المعصومين عليهم السلام أولئك الذين بشر يهم خاتم الرسل محمد بن عبد الله الصادق الأمين صلى الله عليه وآله وسلم بقوله "يكون من بعدي اثنا عشر أميراً، كلهم من قريش"- رواه صحيح البخاري: في الجزء الرابع في كتاب الأحكام في باب جعله قبل باب إخراج الخصوم، وأهل الريب من البيوت بعد المعرفة (صفحة 175 طبعة مصر سنة 1355 هجري)، وصحيح الترمذي: (صفحة 45 الجزء الثاني طبعة دهلى سنة 1342 هجري) في باب ما جاء في الخلفاء، وصحيح مسلم: في كتاب الإمارة في باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش (صفحة 191 الجزء 2 ق 1 طبعة مصر سنة 1348 هجري)، مسند أحمد: (طبعة مصر المطبعة الميمنية سنة 1313 هجري جزء 5 ص 106)، والمستدرك على الصحيحين: (طبعة حيدر آباد الدكن سنة 1334 هجري) في كتاب معرفة الصحابة (صفحة 618 الجزء 3).

اتَّخذ أئمة السلسلة الذهبية الربانية الذي أنتخبوا لهداية الأمة من ااوصي دون فصل الامام علي بن أبي طالب عليه السلام وحتى الامام الحسن العسكري، أساليب مختَلفة لمواجهة الانحرافات التي إجتاحت الأمة وسعوا كثيراً من أجل إحياء القيم الحقيقية للاسلام المحمدي الأصيل وقدموا الغالي والنفيس وتحملوا أشق المعاناة كالملاحقة، والسجون، والقتل، والتنكيل والأسر وغيرها من أجل ذلك.

الكثير من الكتب الموثقة منها "المناقب" و"مجمع البحرين الطريحي" و"الكافي" و"كشف الغمة" و"حديقة الشيعة" و"بحار الأنوار" وغيرها، تروي كيف أن الطاغية "المعتمد العباسي" حاول أكثر من مرة قتل أو اغتيال الامام الحسن العسكري ولكنه لم يفلح حتى تمكن من دس السم اليه (ع) في السنة الخامسة من حكمه، حيث سُقيَ (ع) السم في الأول شهر ربيع الأول سنة 260 للهجرة، وظل الامام العسكري (ع) سبعة أيام يعالج حرارة السم، حتى استشهد في يوم الجمعة الثامن من شهر ربيع الأول ذاته وانتقل الى جوار ربه في سامراء.

أنفرد الامام الحسن العسكري (ع) دون غيره من الأئمة الميامين عليهم السلام من أهل البيت عليهم السلام أجمعين في حمله لعبء قيادة المسلمين وإعداد الأمة لعصر الغيبة وإمامة الامام المهدي الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف في وقت قصير جداً وظروف بالغة الخطورة والقمع الدموي الذي ينتهجه الحكام الطغاة آنذاك.

ضجت مدينة "سر من رأى" ضجة عظيمة إثر استشهد الامام العسكري (ع) وحمل أهلها المحبين والموالين لأهل بيت العصمة والطهارة آنذاك النعش الطاهر بتجليل واهتمام بالغين، فأراد "جعفر الكذاب" أن يصلي عليه لكن "ثار الله الموعود" صاحب الطلعة البهية (عجل) هو الذي صلى عليه وجهزه، ودفن الامام الحسن العسكري (ع) في داره مع أبيه الامام الهادي (ع) وراء ظهره .

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
حيدر : انا لله وانا اليه راجعون يعني منين نبدي هو انتو سامعين بشي اسمه نقابة معلمين او فد ...
الموضوع :
السوداني يستقبل وفد نقابة المعلمين ويشيد بدور الملاكات التربوية وجهودها في العملية التعليمية
Hussain Hamza : سبحان الله انقل السحر على الساحر!! لماذا تدعمون إسرائيل ضد العرب؟ وضد غزة؟ هل لكم الحق في ...
الموضوع :
ردا الى تصريحات ترامب :: الناتو : الدول الأعضاء متمسكة بمبدأ الدفاع عن بعضها البعض
علي عباس مراد : اني احد منتسبي الشرطة الاتحادية المفسوخ عقدة من جراء الاصابة بعبوة ناسفة والمرض ولم استلم اي تعويض ...
الموضوع :
دائرة شؤون المواطنين في الأمانة العامة لمجلس الوزراء تستقبل شكاوى المواطنين عبر موقعها الإلكتروني
فيسبوك