المقالات

التواصل وتداولية الخطاب

1258 2021-05-03

 

د. حسين القاصد ||

 

 ان أي نص ابداعي ليس له أن يكون مخلوقاً جديدا بالمعنى الانفصالي التام عما سبقه ، وبصورة أدق ( نجد أن مانقوله يعتمد على مايقوله الآخرون وماقالوه ، ومانتوقع منهم ان يقولوه ، وتعد محادثاتنا حوارية ، وكذلك ابداعنا) ،ومن هذا ، نجد أبا الطيب المتنبي يقول :

وصرت أشك في من أصفيه       لعلمي أنه بعض الأنام

هنا نجد حوارية بوح ، فلقد رأى باختين ( ان التواصل هو ـ بالدرجة الأولى ـ حوار ... فإننا نكتب أو نتحدث فنحن نباشر ذلك مع متلق أو مستمع متمثل في العقل ، كما أن كتابتنا وكلامنا هو دائما مرتبط بتلك الأفكار والمعتقدات التي كانت في الماضي ) ، ولو أمعنا قليلا لوجدنا جذرا لشك المتنبي ، فهو مرتبط بما قيل من شعر في الماضي ؛ وهنا يجد النقد الثقافي نسق الاتكاء على الماضي ليجعله الشاعر جسرا الى المتلقي ، بينما تجد الذرائعية ان التأويل التداولي يشي بالاقتضاء التداولي ، فالمعنى الواضح هو ان المتنبي فقد الثقة بمن حوله ، لكن هذا لايمنع من ان نقول ان الناس ليسوا اهلاً للثقة ، وفي كلا التشخيصين الثقافي والتداولي نرى ان المتنبي بحاجة شديدة للتواصل ، فالتواصل  يحقق غاية المتنبي الشخصية ، لأن ( عملية الحوار هذه تستمر حتى وإن لم نكن بالفعل نتحدث الى اشخاص ، فهي تحدث عندما نكتب أو ـ توسعا ـ مع أي نوع من النشاط الابداعي) ؛ والحوار الابداعي هو رسالة الى متلقٍ وهذا المتلقي من حقه ان يرى صورة الحياة التي ولد في كنفها هذا البيت ، ولنأخذ بيتا آخر لأبي الطيب :

وضاقت الأرض حتى كان هاربهم          إذا رأى غير شيء ظنه رجلا

ولا شك اننا نلمس ترسيخا للخوف ، فالهارب لايكون ضمن مجموعة ، لاسيما ان الحرب كانت بالسيوف وليس بالاسلحة الكيماوية والقنابل النووية ؛ بمعنى أن الهروب انفرادي ، وأي انفراد مرعب خوفا من ظهور شخص ثانٍ ؛ فالشك عند المتنبي ليس حاضرا انما هو ماض مموه ، كذلك الخوف عند "هاربهم" الذي جاء على لسان المتنبي هو تكرار لمعرفتنا ان السير في مكان خال بشكل انفرادي يشكل رعبا يصل الى ان المرء اذا رأى غير شيء ظنه رجلاً ؛ وتكرار معرفتنا للشيء لا شك انه نافع جدا ، فمن بعض اشتراطات النقد الثقافي هو ان يكون الناقد الثقافي ملمّا ببعض مايخص المبدع قبل ان يتناول منجزه ،  لذا نرى ان الناقد الثقافي يكون ـ على الغالب ـ معنيا بسلوك المؤلف وحياته اكثر من عنايته بنصه الابداعي ، لأن النقد الثقافي معنيّ بالنسق المضمر وفضح عملية التسلل الى الغايات باسلحة بلاغية للتغطية على غاية مضمرة .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك