المقالات

مواقف كتبت بدمِاء الضحايا..!


 

"أهرب لقد إكتشفوا أمرنا"؛ أرسل الكاتب الأمريكي الساخر مارك توين، هذا النص لعشر شخصيات كبيرة ومرموقة؛ في الولايات المتحدة الامريكية في زمانه؛ وفي الصباح  كانوا جميعهم قد غادروا أمريكا!

لا شك أن مواقف بعض القوى السياسية، وبعض الأفراد والزعامات، تتكشف عن عورة كبرى أعترت الواقع السياسي العراقي، بعد سقوط نظام صدام القمعي، وربما تمتد الى زمنه أو ما قبله، إذ أن تأييد القصف الصهيوني العدواني على العراق؛ او السكوت عنه من بعض الأفراد والجماعات السياسية، أو الشماتة بمن إستهدفهم القصف، يشكل دليلا واضحا على تدني الحس الوطني؛ وإنهيار منظومة القيم، بأسباب ترتبط بالمال السياسي والمحاصصة، والتخندق الطائفي والحزبي، والخيانة والعمالة وبيع الضميرأيضا..

المفارقة في تعرض معسكرات الحشد الشعبي ومخازن أعتدته، الى قصف أعترف به الكيان الصهيوني نفسه، أن أوساطا رسمية في الحكومة العراقية؛ شككت بهذا الإعتراف، وسايرتها بتشكيكها هذا أوساط سياسية كثيرة، بعدما أحالته الى سوء التخزين مرة، والى التماس الكهربائي المسكين مرة أخرى، والى مشكلات داخل تشكيلات الحشد الشعبي مرة ثالثة، على الرغم من البرهان الساطع الذي قدمه الصهاينة مرة خامسة، بواقعة إستهداف مركبة للحشد الشعبي في منطقة القائم الحدودية، حيث أعترفت إسرائيل مفتخرة؛ بقيامها بهذه الهجمة وبشكل لا لبس فيه. 

بعض القوى السياسية وزعاماتها، ومنها زعامات رفيعة المستوى، تركت أصل المشكلة؛ المتمثل بإستهداف الحشد الشعبي بما هو تشكيل "شعبي"، قارع تنظيم داعش الإرهابي وأنتصر عليه، وتمسكت بتأويل أن القصف الصهيوني ما كان ليحدث، لولا ما وصفوه بـ"تبعية" بعض قوات الحشد للجمهورية الإسلامية، مقدمين بذلك تسبيبا للعدوان الصهيوني، ينسجم بشكل تام مع الأطروحة الصهيونية، بإن القصف يستهدف أذرع إيران في المنطقة، ودليلهم البائس؛ هو أن القصف لم يستهدف الجيش العراقي، وكأن الحشد الشعبي قوات مرتزقة؛ تم إستجلابها من موزمبيق، وليسوا أبناءا بررة لبوا بكفاءة وبإقتدار وإيمان عميق، نداء الوطن وفتوى الإمام السيستاني! 

الحقيقة المرة التي يتعين الإعتراف بها، هي أن هذه المواقف المخزية المشينة، تشكل إعترافا بالفشل الذريع في النظرية السياسية؛ التي حكمت العراق منذ 17 عاما، وأن هذه المواقف إنعكاس لواقع سياسي رديء، سمح بمشاركة شخصيات مضطربة الولاء الوطني في العملية السياسية، لا يعون قيمة الموقف ومسؤوليته، وإذا كان ممكنا أن نتغاضى عن مسؤوليتهم؛ عن الفشل والإرتباك الذي يشهده العراق، فإن التغاضي عن مواقفهم السلبية، يُعَدُ شراكة أكيدة مكشوفة؛ بالمسلك الخياني التآمري.

الحشد وسائر القوات المسلحة هم حماة الوطن، وأي تشكيك بحامي الوطن، يفقد عبارات مثل "الوطن والوطنية والمواطنة" معناها، بل ويفقد "المواطن" وجوده و"مواطنته"، لأنه سيصبح قنا ذليلا، لأي محتل يطأ تراب "الوطن".

لولا وجود الحشد والقوات المسلحة، لفعل صاحبنا وأمثاله، ما فعلته الشخصيات الأمريكية العشرة، الذين داعبهم الكاتب الساخر مارك توين؛ بدعابته الشهيرة التي أوردناها في مقدمة هذه المقاربة.

بالنسبة للزعماء السياسيين، وبالأوقات الحساسة والمنعطفات الخطيرة، تكون مسؤولية الكلمة أجسم من مسؤولية الرصاصة، ومن لا يستطيع أن يتخذ موقفا إيجابيا منصفا عادلا، فإن عليه أن يتجمل بفضيلة الصمت، لأن ما سيتحدث به إن كانت مخرجاته سلبية، سيسجل عليه ويتحول الى سُبة، وسيبقى عار الموقف السلبي يلاحقه، مهما غلف هذا الموقف بتلاوين المزوقات اللفظية، والعبارات الطنانة، ومقاطع الحرص على "الوطن"، لأن "الوطن" سينسى؛ أي موقف إيجابي سابق له، على قاعدة الناسخ والمنسوخ!

ربما سيجد السكوت على إستهداف الحشد، من يبرره ويقتنع به، على أساس أن فلانا الزعيم السياسي، لديه أو لدى فصيله مشكلات مع الحشد، لكن الصمت عن إستهداف سيادة "الوطن" لن يجد إلا من يستهجنه، والمستهجنين شعب بأكمله..!

مثل هذه المواقف المشينة، تفسر أيضا التراجع الكبير، في شعبية مثل هكذا زعامات، وتخلي أتباعهم عنهم، كما تفسر الرائحة النتنة التي تزكم الأنوف، والمنبعثة من مكاتبهم، فساد وعمولات ونشاط إقتصادي مريب، ومؤامرات ودسائس وفتن، وصكوك غفران أيضا مقابل أثمان باهضة، ليس بينها الكرامة!

عندما تبنى التصورات على الخطأ..اعتقدنا ان صدام غولٌ محصن؛ ومعارضية بواسلٌ شجعان...لكننا اكتشفنا بعد فوات العراق..انها حكايةٌ كتبت بدمِاء الضحايا..!

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

شكرا 27/8/2019

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك