المقالات

الاعلام في زمن الكوليرا ..!


جاسم الصافي

لا يخفى على احد أن العالم المعاصر كان وما زال يسعى الى تعزيز سيطرته من خلال تحالف رأس المال العالمي لتحطيم الحواجز القومية وبأية وسيلة كانت لتوحيد السوق العالمية،

 

لذا برزت القضية الثقافية (صراع أو حوار) وكيفية توظيف الإعلام في مجتمعات الشرق من خلال تكنولوجيا الاتصال لتلعب دورا حيويا في استمرار ميراث السيطرة الاستعمارية عن طريق المفهوم الثقافي لتكون جزءا من هذه السيطرة على مجتمعاتنا

ويلاحظ أن التقدم التكنولوجي الهائل الذي أحرزته وسائل الاتصال منذ اختراع آلة الطباعة في القرن الخامس عشر وحتى الحرب العالمية الثانية حيث برزت أهمية الإعلام وشكلت لها وزارات في العالم الغربي آنذاك قد كونت مدارس للإعلام من أقدمها في مجال التنظير الرأسمالي هي المدارس الغربية واحد فروعها هي امريكا حيث اهتمت بالدراسات والبحوث المتعلقة بالإعلام والعلاقات العامة ومسموع الرأي العام أما المدرسة الفرنسية فقد ركزت في بحوثها على دراسات تاريخ الصحافة وعلاقة العلوم الاجتماعية بالصحافة بينما خرجت من بريطانية فئة من الباحثين الإعلاميين يقودهم البروفيسور جيمي هالوران والذي تخصص في علاقة الإعلام بالقضايا العالمية والمحلية المعاصرة من منظور مجتمعي شامل مركزة على دراسة المناهج والنظريات الإعلامية بقضايا وإشكاليات الاتصال والإعلام في الدول النامية  أما الجانب الثاني هي المدرسة الاشتراكية وهي كما هو معروف تستند إلى النظرية الماركسية اللينينية في دراساتها ومعالجتها لقضايا الإعلام في الدول الاشتراكية والدول النامية ، في حين انتشرت الصحف والإذاعات التي قادت النضال الوطني منذ بداية القرن العشرين في أمريكا اللاتينية والهند ، فقد أسهمت صحيفة هارويجان التي أصدر المهاتما غاندي بشكل مباشر في إشعال الروح الوطنية لدى الشعب الهندي متحديا اكبر إمبراطورية استعمارية في ذلك الوقت ومن الملاحظ أن الصحافة والإذاعات اقترنت بهذا الدور الوطني كونها منتجة وموزعة للمادة الإعلامية بينما نجد باقي الوسائل الإعلامية مثل التلفزيون والسينما هي تحتاج الى تمويل ضخم للإنتاج وهو ما يجعلها وسائل توزيعي لمادة مستوردة أو مقلدة

إما في المرحلة الراهنة بعد اتساع وسائل الاتصال من حيث الكم والنوع منذ اكثر من اربعين عاما  والتي أصبح بها الإعلام يشكل سلطة رابعة للمراقبة وكشف المحظور داخل النظم الديمقراطية نجد أن الإعلام له وجها آخر وهو ما تقوم به الدول الرأسمالية التي تعتبره أداتها لتحقيق الأرباح من ناحية وللتحكم في الوعي القومي الاجتماعي بهدف المحافظة على الأوضاع القائمة في مجتمعاتنا المستهلكة. ونلاحظ هذا الأمر بوضوح في احتكار المعلومة ، فرغم وجود مئات وكالات الأنباء المنتشر على امتداد العالم إلا أن من يحتكر ويتحكم بالخبر هي وكالات لا تتجاوز عدد الأصابع تنتشر في ثلاث دول هي فرنسا بريطانيا وأمريكا واهم تلك الوكالات هي أ. ف. ب ـ أجانس فرانس برس الفرنسية ، ورويتر البريطانية و الوكالتان (م. ب. و ي. ب ) اسو شيتدبرس ويونيتدبرس الأمريكيتان وهذه الوكالات لا تخفي علاقتها الوثيقة بالشركات العملاقة في تلك الدول وهي تسهم بالدور الإعلامي الخطير لها من ترويجها لأخبار تلك الشركات وأنشطتها في العالم ولهذا نجد أن تلك الوكالات محصنة بدعم وتمويل اقتصادي وسياسي مشترك من الدول الرأسمالية الكبرى ، وهذا الأمر يوضح لنا صعوبة الدور الذي تواجهه وسائل الإعلام في مجتمعاتنا، إذ من الصعوبة أن تجد وسيلة إعلامية مستقلة يكمن دورها في خدمة أهداف التنمية الوطنية الشاملة كما هو معلوم لدور الإعلام الأساسي

وإذا كان البديل الوحيد لاستقلال الاعلام عندنا هو الملكية الوطنية لتلك الوسائل فان هذا لا يكون الا في حالة الفصل بين مفهوم الدولة ومفهوم الحكومة والذي ما يزال شائكا في تفرعاته ومعبأ بتجهيل مؤسسات الدولة فمثل هذا الدعم لا يتم إلا حين يتدفق في مصلحة راسية نحو الحاكم دون وجود أدنى أمل للهامش على المستوى الأفقي لذا تقتصر حرية التعبير على التبعية وأنصار الغرب وبهذا يصبح احترام وتقديس حرية الفكر والتعبير خدعة مدورة تحاصر الجميع بمفاهيمها الهجينة

فوسائل الاعلام يجب أن تكون منتجة وموزعة في الوقت نفسه كما قلنا ، لكن ما نجده في اغلب وسائل الاعلام الوطني هي وسائل توزيع وليس إنتاج إعلامي وبذلك فهي تبعية مقنعة وبشكل أو بآخر فهي تحت السيطرة الرأسمالية العالمية ، وقد تعطى بعض الوسائل الإعلامية الفرصة لتصنيع المواد الإعلامية لكنها ستكون مجرد أعمال تقليدية للنماذج المستوردة تكيف طبقا للواقع الوطني ، سواء أكانت أفلام او مسلسلات تلفزيونية أو ريبورتاجات صحفية وهذا لا يكون إلا في مصلحة التنمية الرأسمالية لتحقيق ما يسمى (بالتجانس الثقافي أي إعطاء دور لذلك المنتوج لإتمام تجريد الشخصية القومية من مقوماتها الإنسانية والتاريخية وتسطيحها إلى المدى الذي يجعلها تتوافق مع مجموعة الأهداف والمصالح التي تحكم شبكات التوزيع والتسويق الإعلامي والثقافي للرأسمالية الغربية) ومثل هذا السلوك هو للتخفيف من حدة الصراع الاجتماعي داخل المجتمع والتقليل من أعراض الاغتراب و من شأن النظم الاجتماعية والاقتصادية البديلة للنظام الرأسمالي لتحقيق أكبر قدر من الأرباح على أساس أن وسائل الإعلام مشروعات تجارية .

ومثل هذه السيطرة تأخذ شكلا متميزا في التغييرات الاجتماعية والثقافية المتنوعة من خلال (الأخبار-المسلسلات- والبرامج التليفزيونية) التي تسهم في تشويه وتحريف المعلومة ومثال على ذلك قناة الجزيرة والعربية اللتان تركزان وبشكل مقصود على الجوانب السلبية مثل الأزمات والانقلابات والحوادث المؤسفة التي تقع في الشرق بينما تتجاهل بتعمد واضح للنواحي الإيجابية من تطور وبناء ، وهذه الوسيلة هي لتكريس الاغتراب النفسي والفكري لدى النخبة الوطنية لصالح الفكر المسيطر (الرأسمالي الغربي) لدرجة أن هذه القنوات عرت نفسها في ازدواجية الرأي وتبعية المنهاج في ثورات الربيع العربي وبهذا فهي تواصل الدور الساند نفسه للدول الرأسمالية وتسخر لخدمة تلك المصالح وهي بذلك لا تعبر عن هموم شعوبها أو آمالها وطموحاتها كونها تحت الرعاية الرأسمالية.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك