المقالات

خطاب الهزيمة.. متى نهزمه؟!

988 01:33:01 2015-05-30

 

ان أخطر سلاح يمكن أن يستخدمه أي عدو ضد خصمه هو تكثيف الشعور بالهزيمة لدى الخصم، خصوصاً حينما يقدّم الأخير هذا السلاح مجاناً؛ بل وعلى طبق من ذهب! وهنا يصبح جهله بهذه الحقيقة بمثابة العتاد الذي يلقّم هذا السلاح القاتل.

لم يشذ تنظيم داعش عن هذه القاعدة حينما استغل خطابنا الانهزامي ووظّفه بأقصى درجات التوظيف، ومازال يفتح النار من فوهته باتجاه معسكرنا، المتمثل بالجيش العراقي، وتشكيلات القوات الأمنية والشرطة الاتحادية وأبطال الحشد الشعبي مع أبناء العشائر.

المستغرب حقاً هو التغابي عن حقيقة في غاية الوضوح؛ وهي ان داعش ونظائره يتربصون بنا الدوائر، وينتظرون بشغف كل سقطة أو هفوة أو موقف أو تصريح ليوظفوه ضدنا ما أمكنهم ذلك! ولسوء الحظ لم يَخيب أملهم في هذه، حيث يغرفون من "خطاب الهزيمة" الذي تفرزه "تصريحات وأحاديث ووجهات نظر" المسؤولين على أعلى المستويات، وفي مختلف المواقع، ثم يليهم المتحدثون الرسميون والنواب، وقادة الكتل والكيانات ووكلاؤهم وممثلوهم، وناطقوهم وناطقو ناطقيهم، وهلمّ جرّا!

ان الغالبية من هؤلاء (وحصراً تلك التي تتبنى الحرب ضد داعش) تستسهل وتكرر "خطاب الهزيمة" على قاعدة "حشرٌ مع الناس عيد"، وان السباحة مع التيار السائد أيسر من السباحة عكسه! وهذا ما يحصل الآن، حينما يتم تناول ما جرى في نكبة الرمادي (ينسحب الأمر على ما يشابهها من الانتكاسات السابقة)، فترى ذلك الخطاب يقطر خيبات وتراجعات وانهزامية، ولا يخلو من تخوين ضد البعض، ولا يستبشع تضخيم "قدرات" العدو الداعشي (لا يحلم الأخير بهذا التسويق والترويج لقدراته حتى في إعلامه). مع التسليم بأن تناول الوقائع بهذه اللهجة لن يغير شيئاً مما جرى ومضى، ولكنه يمكن أن يكون مؤثراً فيما بعد، ويعتمد تأثيره حسب الرسائل التي تبثها تلك التصريحات والأحاديث والبيانات و"التوضيحات"!

ليس سراً بأن البعض ممن يخوض في العملية السياسية، أو يتقلد مناصب رسمية (رفيعة أو ما دونها)، قد أدمن على استساغة خطاب الهزيمة، والولولة والمناحة والتباكي والتبرير في أحلك الظروف وأخطر المنعطفات والهزات، وما نكبة الرمادي سوى مثال أخير على ذلك. ولا يلتفت هذا البعض للأخطار التي يجرها هذا التصرف على الروح المعنوية للمقاتلين وعموم الشعب المصطفين معاً ضد الارهاب، ويضحون بالغالي والنفيس متطلعين الى يوم الخلاص من شروره. كما لا يتحَسّب هذا البعض أيضاً لحقيقة ان بثه روح الهزيمة عبر كلمة هنا وتصريح هناك، ستعمل على تثبيط همّة وإرادة مقاتلينا، وفي المقابل تشحذ سيف العدو، وترفع من منسوب معنوياته وإرادته، وهل الحرب سوى إرادة أولاً، ثم الحديد ثانياً؟!

لا يمكن بحال، ولا بأي منطق، أن يتجاهل الزعماء والقادة في أوقات الأزمات والحروب حقيقة ان المواطنين والمقاتلين يتطلعون الى مواقفهم وتصريحاتهم كـ"منقذين وربابنة" يعبرون بهم الى ضفاف النصر والظفر، ولا يتوقع منهم أن يتحولوا الى مسوّقين للخيبات، وجهابذة في تبرير الانتكاسات، بخطاب يطفح انهزامية، ويصوّروا الأمر وكأن ما حصل كان "قدراً لا مفر منه"، ثم يسهبوا في فتح أحاديث الفساد والخيانة، وشحّة الأسلحة النوعية والتخبط في تعيين القيادات العسكرية!

لقد تلاقف الإعلام المعادي ودوائر الحرب النفسية المتربصة بالعراق ما صرّح به السيد حيدر العبادي في لقائه الأخير مع فضائية "BBC العربية"، معلقاً على نكبة الرمادي: "خسارتنا للرمادي جعلت قلبي ينزف"..! وأضاف حول الشاحنات المتفجرة التي استخدمها داعش في عملياته بأنها "أشبه بقنابل نووية محلية"، وحول تأثيرها قال: " كان لها أثراً سيئاً للغاية على القوات العراقية، لأن الشاحنات تُسقط عدداً كبيراً من الضحايا"!

طبعاً لا يلتجأ أي عاقل الى أسلوب الاستهانة بقدرات العدو، ولكن الى جنب ذلك لا بد من التذكر بأن "لكل مقام مقال"، والمقام هنا هو التمسك بمبدأ أهمية تعزيز الروح المعنوية للمقالين ضد الارهاب، لا ترويعهم وتصديع معنوياتهم، وذلك بتضخيم قدرات العدو، والتأشير على ما يتمنى ذلك العدو من تضخيمه وإبرازه والتهويل به! أنه لمن مرارة ما نكابده كعراقيين منكوبين بهمجية الإرهاب الوهابي، ان نتعايش مع مثل هذه التصريحات والتبريرات التي طفح منها الكثير مؤخراً، وكأنها متلازمة ينبغي لنا أن نتقبلها بكل طيب خاطر وكل "ممنونية"! طبعاً لا يمكن تجاهل ما تقدمه نظير ذلك تصريحات الناطقين والمتحدثين العسكريين، ومنهم العميد "سعد معن"، الذي أسهب في الحديث للـ"BBC العربية" عن "الانسحابات التكتيكية" للقوات العراقية في الرمادي مؤخراً! ويذكرنا هذا المصطلح المشؤوم بتلك المواقف التي تم معها تداوله كثيراً من المقبور صدام لتبرير هزائمه في حروبه الكارثية!

للمرء ان يتخيل قادة داعش وهم يغسلون أدمغة قطعانهم و"يُعبئونهم"، فيسوُقوا لهم كلام السيد العبادي الوارد آنفاً، فيقولوا لهم: انظروا الى "انتصاركم" في الرمادي، لقد جعل قلب رئيس الوزراء ينزف، وشاحناتكم المتفجرة تلقاها عدوكم على انها "قنابل نووية"!

كم استهجنّا أغلب تصرفات قادة داعش، ووصفناها كثيراً بالحماقة والطيش، وصنفناها في خانة ان "العدو يعيننا على نفسه" في حربنا المفتوحة، أما اليوم فنخشى أن تنقلب الصورة!

* * *

قلوب كل شرفاء العراق تنزف حينما يدنس مسوخ داعش أية بقعة في الوطن، ولكن حينما يعلن السيد العبادي في حديثه الآنف ذكره بأن "خسارتنا للرمادي جعلت قلبي ينزف" يكون لها وقعاً سلبياً في مقامها ومسؤولية قائلها، عندما تُطلق مشحونة بطعم الانكسار علناً من القائد العام للقوات المسلحة! كل ذلك يجري في أوقات مصيرية ينتظر فيها العراقيون وقواتهم المحاربة للإرهاب مواقف صلبة وحازمة تشدّ من أزرهم، وتصلّب عزيمتهم، وتلهب حماستهم من أعلى مسؤول عن قرار الحرب!

كما ان قلوبنا تنزف حينما لا يتم تطهير العملية السياسية من سياسيي داعش، الذي يتشفون جهاراً حينما تسقط الموصل والرمادي وصلاح الدين، ويستغلون مواقعهم لمناصبة العداء لقواتنا المسلحة وأبطال الحشد الشعبي ومؤازريهم من شرفاء العشائر، ولا يتورعون (بصلف ووقاحة) عن الطعن والتشكيك بأي انتصار عراقي على الارهاب. أليس الأوْلى أن نذّكر العراقيين الشرفاء بـ"نزيف القلوب" من اقترافات هؤلاء الذين يمهدون لإسقاط العراق برمته (وليس الرمادي فقط) في قبضة داعش ومن والاهم؟!

* * *

ان الإقرار بوقوع "أخطاء" في جهود الحرب على الارهاب، له ضوابطه قطعاً، لأن أية حسابات خاطئة في ذلك الإقرار سيكون وقعه أشد مضاضة من تلك "الأخطاء" ذاتها، والاّ سيتحول هذا "الإقرار" الى سلاح نوعي مجاني بيد داعش، كما حصل واستفاد منه سابقاً، أليس كذلك؟!

من الحكمة بمكان أن يتم توظيف هذه "الأخطاء" عبر الاستفادة من دروسها، لجهة عدم تكرارها، ومن ثم تصويب الخطط. كما ينبغي في هذه المرحلة التعويل أكثر من السابق على الدعم الشعبي والوطني، لا التعويل على "التحالف الدولي" المتلكئ في مهامه! ولكن ذلك لن يعطي ثماره قبل أن تفرض الدولة العراقية هيبتها، خصوصاً والعراق يعيش حالة حرب، بما تمنح لرئيس الوزراء وحكومته المسوغ الدستوري بأن يضرب بيد من حديد كل من يستهدف هذه الهيبة، لما لذلك الاستهداف من تداعيات مدمرة نشهد بعضها الآن، ومن مظاهر ذلك، تفاقم فوضى التصريحات الرسمية والسياسية (وتضارب بعضها)، وبالذات في ملف الحرب، وفي غير هذه الحالة فإن نكبة الرمادي ستكون "عربوناً" لما هو أعظم -لا سمح الله-!

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك