الصفحة الإسلامية

الامام محمد الباقر (ع) .. مصدر العلم والفضائل، ومنتهى المكارم

1235 23:24:31 2015-04-20

لو أخذ المسلمون سيرة الرسول الأعظم (ص) والأئمة المعصومين من أهل بيته عليهم السلام للعمل والتطبيق لحصلوا على أعظم مكسب في حقل التوجيه والأخلاق، ولسادوا الأمم ولامتدوا بالاسلام في أرجاء المعمورة، ولحققوا الانتصارات العظيمة في مختلف القطاعات.

فمن أنفس ما تركه الأئمة المعصومين عليهم السلام للمسلمين وصاياهم الكثيرة، الحافلة بالتوجيه والأخلاق والحكم والمعارف والأدب، فلم يعرف التاريخ الإسلامي مثل هذه الوصايا لمن سبقهم أو تأخر عنهم من العلماء والحكماء والفلاسفة والمفكرين، وما ذلك إلاّ لحرصهم على توجيه المجتمع، وإصلاح الأمة، وبث الأخلاق بين الناس، وليس هذا بكثير عليهم، فهم المكلفون بعد الرسول (ص) بنشر الاسلام المحمدي الأصيل، والمحافظة على سننه وشرائعه القيمة.

ومن بين هؤلاء الأنوار الزاهرة التي بعثها الله سبحانه وتعالى لاصلاح البشرية وهدايتها هو الامام محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام أجمعين وهو الامام الخامس من أئمة أهل ابيت (ع) .

فقد ولد عليه السلام في يوم الجمعة أو الثلاثاء من غرة رجب (الأول من رجب)، وقيل الثالث من صفر سنة سبع وخمسين من الهجرة، وكان عليه السلام يشبه رسول الله صلى الله عليه وآله، لذا لقب بالشبيه. حيث أقام مع جده الامام الحسين عليه السلام حوالى ثلاث سنوات ونيف وشهد في نهايتها فاجعة كربلاء ، وعاش مع أبيه علي بن الحسين عليه السلام أربعا و ثلاثين سنة وعشرة أشهر أو تسعا وثلاثين سنة وبعد أبيه تسع عشرة سنة وقيل ثماني عشرة وذلك في أيام إمامته.

واجتمعت فيه صفات ومزايا فريدة، فكان الامام الصادق (ع) يقول: "كان أبي كثير الذكر لقد كنت أمشي معه وأنه ليذكر الله (عز وجل) وأكل معه الطعام ولقد كان يحدّث القوم وما يشغله عن ذكر الله سبحانه وتعالى... وكان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتى تطلع الشمس". كما كان له شرف الحصول على لقب "الباقر" من جدّه المصطفى (ص) كما في رواية الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري حيث يقول: "قال لي رسول الله (ص): "يوشك أن تبقى حتى تلقى ولداً لي من الحسين (ع) يقال له محمد يبقر العلم بقرا (يشقه شقا) فإذا لقيته فأقرؤه مني السلام" فلما كَبُر سنّ جابر وخاف الموت جعل يقول: يا باقر يا باقر أين أنت، حتى رآه فوقع عليه يقبّل يديه ورجليه ويقول: بأبي وأمي شبيه رسول الله (ص) إن أباك يقرؤك السلام.

وبدأت ولاية الامام الباقر (ع) وإمامته الفعلية في عهد الوليد بن عبد الملك الأموي الذي شُغِلَ عن ال البيت (ع) طوال فترة حكمه بتصفية أسرة الحجاج بن يوسف التي كانت تمسك بزمام السلطة في عهد أخيه الوليد بن عبد الملك.

ثم جاء من بعده عمر بن عبد العزيز الذي اتّسمت مواقفه ببعض الإنصاف تجاه أهل البيت‏(ع) فمنع سبّ الامام علي (ع) من على المنابر وكان بنو أمية قد اتخذوها سنّة بأمر معاوية. وأعاد فدك للسيدة الزهراء (ع) إلى الإمام الباقر (ع)، ثم جاء من بعده يزيد بن عبد الملك الذي انصرف إلى حياة الترف واللهو والمجون.

وكانت علاقة الإمام (ع) بالخلفاء علاقة رصد وتوجيه وإرشاد كما كانت علاقة الإمام علي بن أبي طالب (ع) بخلفاء عصره. وكثرت الرسائل المتبادلة بين الإمام (ع) وعمر بن عبد العزيز حيث ضمّنها توجيهات سياسية وإرشادات هامة.

كما نجد عبد الملك بن مروان يستشير الامام (ع) في مسألة نقود الروم المتداولة بين المسلمين والتي كانوا يضغطون من خلالها على الخلافة، وذلك أن مشاحنة وقعت بين عبد الملك وملك الروم فهدده ملك الروم بأنه سوف يضرب على الدنانير سب رسول الله (ص) إذا هو لم يرضخ لأمره ويلبي طلباته. وبما أن النقود التي كان المسلمون يتعاملون بها كانت رومية فقد ضاق عبد الملك بهذا الأمر ذرعاً فاضطر أن يستشير الامام في ذلك، فأشار الامام (ع) عليه بطريقة عملية يصنع بها نقوداً إسلامية مما جعل المسلمين يستقلّون بنقدهم.

وقد استفاد الامام الباقر (ع) من هذا الانفراج السياسي استفادة كبيرة في ممارسة دوره الرسالي فاتّبع سياسة تعليمية وتربوية رائدة هادفة لمواجهة الأفكار المنحرفة التي تغلغلت مع اتّساع رقعة الفتوحات. والتصدي للأحاديث المدسوسة ومواكبة المستجدات واستنباط الحلول لها.. "وانهال عليه الناس يستفتونه عن المعضلات ويستفتونه أبواب المشكلات" وعمل الامام (ع) على تعزيز المدرسة العلمية والفكرية التي انطلقت في حياة والده السجاد (ع) فأصبحت تشدّ إليها الرحال من كل أقطار العالم الإسلامي حتى قال أحدهم: "لم يظهر من أحد من ولد الحسن والحسين L في علم الدين واثار السنة وعلم القرون وفنون الاداب ما ظهر عن أبي جعفر الباقر (ع)".

وتخرج من هذه المدرسة العظيمة كوكبة من أهل الفضل والعلم كزرارة بن أعين ومحمد بن مسلم الثقفي وجابر بن يزيد الجعفي.. وبذلك شكّلت مرحلة إمامة الباقر (ع) إطاراً جديداً لإدارة الصراع مع رموز الانحراف الفكري والعقائدي التي كادت تطمس معالم الدين الاسلامي آنذاك.

وكانت أبرز مميزاته (ع) العلم الواسع، وقد برز علمه هذا في فترة انتشار الفلسفة اليونانية وتوسع الناس في المناظرات الكلامية وتعدد المذاهب الفقهية والمدارس العقائدية ما استدعى بروز شخصيات علمية هامة تحمل على عاتقها مهمة ترسيخ دعائم الفكر الاسلامي الأصيل وتقوية دعائم الفقه الشيعي في مقابل المذاهب المختلفة. فكان تأسيس جامعة أهل البيت(ع) التي حوت عدداً كبيراً من العلماء حيث كانوا يأتون الى المدينة المنورة من مختلف الأقطار الاسلامية لينهلوا من الامام الباقر (ع) علومهم ومعارفهم.

وقد قال عطاء وهو أحد كبار علماء العامة يصف الامام الباقر (ع): ما رأيت العلماء عند أحد أصغر منهم في مجلس أبي جعفر الباقر. لقد رأيت الحكم بن عيينة كأنه عصفور مغلوب لا يملك من أمره شيئاً.
ومن ميزاته أيضاً صلابته في مواجهة الحكام الأمويين حيث لم يرضخ لضغوطهم فأكمل مهمته الالهية على أكمل وجه. هذا فضلاً عن العبادة والورع والتقوى التي يتحلى بها أئمة أهل البيت سلام الله عليهم.

فهو عليه السلام مجمع الفضائل، ومنتهى المكارم، سبق الدنيا بعلمه، وامتلأت الكتب بحديثه، ولا غرو في أن يكون كذلك ، فها هي كتب الفقه، والحديث، والتفسير، والأخلاق، مستفيضة بأحاديثه، مملوءة بآرائه، فقد روى عنه رجل واحد من أصحابه - محمد بن مسلم - ثلاثين ألف حديث، وجابر الجعفي سبعين ألف حديث، وليست هذه بميزة له عليه السلام على بقية الأئمة، فعقيدتنا أنهم صلوات الله عليهم نور واحد ومتساوون في العلم، وسواسية في الفضل، فهم يغترفون من منهل واحد: كتاب الله وسنة رسوله، وما أودع الله تعالى فيهم من العلم اللدني يصفتهم أئمة الحق، وساسة الخلق، وورثة الرسول الأعظم (ص).

ويجب أن نعلم : إن العلم جانباً واحداً من حياة الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام، فهو صلوات الله عليه أكثر الناس عبادة، وأعظمهم زهداَ وأجمعهم لمكارم الأخلاق، وأحسن الناس سيرة، وأفضلهم سريرة. وقد استُشهد عليه السّلام على أثر السمّ الذي دسّه إليه إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك أيّامَ حكم هشام بن عبد الملك الذي أمره بذلك.

وكانت شهادته سلام الله عليه يوم الاثنين السابع من ذي الحجّة سنة 114 هجريّة على المشهور، وعمره الشريف يوم ذاك سبعة وخمسون عاماً، فدُفن في البقيع الغرقد بالمدينة المنورة خلف أبيه زين العابدين وعمّ أبيه الحسن بن عليّ عليهم صلوات الله أجمعين، في القبّة التي فيها العبّاس بن عبدالمطّلب.

وكان له قبر شاخص تؤمّه جموع المؤمنين، حتّى هُدمه الوهابيون في الثامن من شوّال سنة 1344هـ فيما هُدم من قبور بقيّة الأئمّة عليهم السّلام.
وختاما نذكر إضاءاتٌ هادية من كلمات الامام الباقر عليه السّلام :-
الكمال كلّ الكمال: التفقّه في الدِّين، والصبر على النائبة، وتقدير المعيشة.
ثلاثة من مكارم الدنيا والآخرة: أن تعفوَ عمّن ظلمك، وتصلَ مَن قطعك، وتحلم إذا جُهِل عليك.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك