التقارير

ماذا يعني أن تكون في قلب ’حربٍ ناعمة’ ؟

1533 07:35:21 2015-03-04

عبد الرحمن جاسم

يسخر كثيرون من فكرة "المؤامرة"، ذلك أن فكرة أننا ضمن "مؤامرةٍ" من أي نوع يجعلهم أمام أسئلة كثيرة أبرزها: ربما فكرة أننا "نحارب" يومياً في ما نؤمن به ونحارب لأجله، حتى من قبل قوى لم نسمع بها من قبل، ولم نعادها في حياتنا حتى. يسخر هؤلاء أنفسهم من فكرة "الحرب الناعمة"، من فكرة أن "بنطال جينز" أو "لوح شوكولا" هو جزءٌ من صميم تلك الحرب القائمة ضدنا. يسخر هؤلاء لأنّ سخريتهم هي جزء من ذات الحرب الناعمة الموجودةِ أصلًا بهدف تدمير ثقتنا بأنفسنا، مما يقودنا إلى الكفر بكل ما هو عزيزٌ وحقيقي.

تنتصر المقاومة في حروبها العسكرية، ذلك امرٌ لا ريب فيه، لكن المقاومة لا تكون للجميع بنفس المقدار. فالمقاومة هي فعلٌ "جمعي"، فعلٌ كقطرات المطر يغطي مساحةً واسعة، لكن كلٌ بمقداره وكل بحسب قواه وقدراته. يحمي المقاتل الميدان بسلاحه ويده على الزناد، ويحمي الفلاح الأرض من خلال عمله، ويحمي الإعلامي المقاومة بلسانه وقلمه، كلٌ بحسب قدراته وعلمه وعمله. المشكلة اليوم أنَّ الجميع يعتقد بأن هذه المقاومة لا تقوم إلا بالسلاح . هنا تكمن قيمة معرفتك بفكرة الحرب الناعمة، هنا فقط يمكنك إدراك أهمية ألا تكون وقوداً ضد أهلك وناسك في تلك الحرب.

تدخل الحرب الناعمة عميقي في حياتنا . يمر البرنامج الترفيهي المضحك المسلّي على قنوات التلفزة اللبنانية بسهولةٍ ويسر. تمر أيضاً من خلال تلك البرامج الكثير من العادات والتقاليد والتقليعات المشينة والقبيحة وغير الأخلاقية بشكلٍ مخيف. ومع هذا، هل هناك من ردة فعل؟ كلا. هنا نجد ان الناس باتوا يتقبلون الكلام الجنسي ذا الإيحاءات المقصودة و"القذرة" ويشاهدونها مع أحبتهم وأطفالهم كما لو أنها أمراً بات معتاداً. هل من حسيب؟ هل من مقص رقيب؟ كلا. من يراقب حال الإعلام اللبناني خلال السنوات العشر المنصرمة يمكنه ملاحظة أنَّ لغة الخطاب في تلك التلفزيونات قد تغيّرت وبشكلٍ مخيف، فكلماتٍ ذات معانٍ إباحية باتت اليوم جزءًا من ثقافة التلفاز، بعدما كان مجرد الإشارة إلى هذه الكلمات أو الإيحاء بها يعني إيقافا للبرنامج أو إغلاقاً للمحطة، فضلاً عن ردة فعلٍ شعبية عفوية تجاه الموضوع بحد ذاته. هنا تبدو الحرب الناعمة متجليةً في أوضح صورها: بات الأمر الأخلاقي قابلاً للنقاش، باتت الشتائم والكلمات الجنسية والنابية محط "حوار" بدلاً من رفضها بشكلٍ قاطع لأن مكانها ليس التلفاز الذي يدخل بيوت العائلات ويحفظه حركاته وسكناته الأطفال قبل الكبار.

فالحرب الناعمةُ أساساً هي دخول إلى قلب المجتمع "بحد" ذاته وتمزيقه من الداخل،وإفراغه من مضمونه الأساسي والحقيقي وتحويله إلى مجتمعٍ "هش" قابلٍ للإنكسار، إذا لم يكن للإنفجار. إنها ببساطة شديدة أن تجعلك "غاضباً" من لا شيء، ومستعداً للقتال - والقتل حتى - من أجل ذلك "اللاشيء" الذي لاتعرف ماهيته.

وقبل كل شيء،لابد من سؤالٍ مباشر يطرح نفسه: هل هناك فعلاً حربٌ ناعمة تمارس علينا؟ ستشعر في لحظةٍ ما بأن الأمور عادية، لكن يمكن ملاحظة الأمور بشكلٍ أكثر دقة إذا ما نظرنا بإمعانٍ أكثر. هناك في بلادنا مئات الجمعيات "الخيرية" (NGO)، والتي تموّل وبشكلٍ "مباشرٍ"/"علني"/"رسمي" من الغرب (الاتحاد الأوروبي-US Aid) ولا تخفي هذه الجمعيات جهات تمويلها البتة، بل بالعكس إنها تلجأ إلى إشهار الأمر في كل مناسباتها وتحركاتها. هل يدفع الغرب المال كرمى لسواد عيوننا؟ يمكن التفكير في الأمر قليلاً والإجابة ستكون حاضرةً وبقوة. جانبٌ آخر: منظمات الأمم المتحدة العاملة في بلادنا، ما هو دورها الحقيقي؟ هل هي فعلاً عبارة عن مؤسساتٍ هدفها "السلام" و"العدالة" وسواها من المسميات "الكبرى"؟ متى كانت آخر مرة قامت هذه المؤسسات بدورٍ حقيقي في "حماية السلام"؟ أو "حماية الأبرياء"؟ ألم يكن العدو الصهيوني حراً في القيام بما يريد لولا المقاومة مثلاً؟ هل نفعت كل قرارات الأمم المتحدة في ردعه مرة؟

تبقى نقطة واحدةٌ كي تكتمل الصورة: أنظر حولك في حياتك اليومية، ماذا تشتري من "الدكان"، ماذا تشاهد على التلفاز. هل ما تلبسه أنت تختاره؟ أم يتم اختياره لأنه مناسبٌ "لموضةٍ" ما صنعها أحدٌ غربي لا تعرف عنه شيئاً، لكن ومع هذا "يسير" رأيه عليك؟ هل تأكل فعلياً ما تريد؟ أم أنك تتأثر أيضاً بأنواعٍ وأطباقٍ ومأكولاتٍ "تجتاح" عالمك فجأة وخصوصاً تلك "الغربية" منها صاحبة الإعلانات المدفوعة بالملايين؟ راقب أكثر،ماذا عن المشروبات الغازية؟ هل تنبهت مرةً أن هذه الماركات المشهورة كلّها وبلا استثناء، تدعم الدولة العبرية؟ كلها أسئلةٌ تثير القلق وتؤكد فكرةً واحدة: إن الحرب الناعمة قائمة، سواء أردت أم لم ترد، أحببت أم لم تفعل. وفي كل الاحتمالات هناك حلان: أن تأخذ مكانك وتحارب، أو أن تصمت وتختار أن تقتل. هكذا هو الأمرُ فحسب!

أن تكون في قلب الحرب الناعمة معناه أن تتعرض لكمٍ هائلٍ من ضغوطٍ نفسية وإعلامية يوميةٍ ولحظيةٍ حتى هدفها الأول والأخير أن تحيد عن هذا الخط المقاوم، وليس مهماً إن "حدت" ولو قليلاً ولو "مليمتراً" واحداً فحسب، المهم أن تحيد: أن تحيد أخلاقياً، أن تحيد عاطفياً، أن تحيد فكريًا. الهم الوحيد لهؤلاء هو أن تبتعد، فمن يبتعد دون وعيٍ اليوم، سيجد نفسه بعيداً كثيراً بعد أيامٍ، وبعد فترة سيبتعد لوحده وعن وعيٍ هذه المرة.

19/5/150304

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك