المقالات

عاشوراء (6) السنة الثانية

1252 22:15:04 2014-10-30

{بَرِئْتُ اِلَى اللهِ وَاِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَمِنْ اَشْياعِهِمْ وَاَتْباعِهِمْ وَاَوْلِيائِهِم}.

إنّ التولّي والتبرّي فلسفة عميقة جداً في الاسلام، وفي منهج أهل البيت (ع) على وجه التحديد، أصّل لها القران الكريم بقوله {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ* وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} وفي قوله {بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ} وقوله {فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ} وهي رؤية إنسانيّة قبل ان تكون دينيّة، لأنهما يعتمدان المشاعر والميول القلبيّة والعاطفيّة قبل اي شيء آخر، وقبلَ ان يرتّب المرأُ عليها أثراً ما، بالقول او الفعل، فالمرء بطبعه يميل بقلبه الى كلّ ما هو صحيح عقلاً ومنطقاً، وينفر ويبتعد عن كلّ ما هو سيّء عقلاً ومنطقاً ، الّا انّ الفارق، ربما، في البعد الإنساني لهذه النظرية عن بعدها الديني هو ان الثاني يُلزم المؤمن ان يرتّب أثراً على ميوله نحو أو ضدّ أمرٍ ما، فيما لا يرتّب البعد الإنساني، ربما، ايّ شيء على هذه الميول، ولذلك عُدّ التولّي والتبرّي احد الفروع العشرة للإسلام وتحديداً للتشيع لاهل البيت (ع). فما الذي يمكن ان يؤثّر ذلك في حياة الانسان؟.

اولا: ان ايّ عملٍ يقدِم عليه الانسان هو نتاج فكرة تختمر في ذهنه أولاً، ولذلك فان قبول الاخر بعمل ما او رفضه يسبقه القبول بالفكرة التي انتجت هذا العمل او رفضها، ولهذا السبب فعندما يبرأ الانسان من عملٍ قبيح إنما يوطّن نفسه على البراءة من الفكرة التي أنتجتهُ، ما يعني انّه يبني ثقافة في سلوكه ترفض الخطأ ولا تقبل بالانحراف والظلم والتعدّي على حقوق الآخرين والجريمة وغير ذلك.

انّ ما نراه اليوم من انتشار ظاهرة العنف والإرهاب باسم الاسلام إنّما سببُه هو ان الّذين يمارسونه قبلوا اولا بحالات مشابهة كان القومُ قد مارسوها في التاريخ فتحوّلت الى ثقافة تُحتذى والى سلوك في الشخصية يتقمّصه الخلف جيلا بعد جيل وكأنّه دينٌ يدانُ به، ولو ان هؤلاء أعلنوا البراءة من تلك السلوكيات لما تحوّلت اليوم الى ثقافة تتوارثها الأجيال وكأنّها مسلّمات دينيّة يجب عليهم الالتزام بها.

ثانياً: كما انّ الفكرة التي تُنتج العمل والسلوكيات تتوطّن في عقليّة الرّجال، ولهذا السبب ينبغي علينا ان نتبرّأ او نوالي الرّجال الذين جسّدوا الفكرة، فمنَ الطبائع الانسانيّة البحث عن نموذج، او عن بطل، والذي يترك بضلالِه على شخصيّة المُعجَب شاء ام ابى، فاذا كان النموذج صالحاً فسيترك آثاره الصالحة على من يحذو حذوه والعكس هو الصحيح، ولذلك كانت فكرة التولي والتبري للتحكّم بشخصية الانسان.

ولقد ساعد المشرّع عباده بان قدّم لهم النموذج الصالح ليكون بالنسبة لهم مقياساً في كل حركةٍ وسَكَنةٍ فقال تعالى {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} وقال تعالى {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} وقوله عزّ وجلّ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} وقوله {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}. 

ان ما جرى في كربلاء يوم عاشوراء مثّلَ نوعين من القيم لا يمكن تقمّصها في شخصية واحدة ابداً، فامّا ان يوالي المرء الحسين (ع) ويتبرأَ من يزيد او بالعكس، امّا انّه يحاول ان يجمع بين الشخصيّتين في عمليّة خداع للذّات، فهذا ما لا يمكن ابداً، ومن الناحية العمليّة فإننا نقرأ على مرّ التاريخ انّ كلّ من والى الحسين (ع) تبرأ أوتوماتيكيا من يزيد، بغض النظر عن دينه او مذهبه او خلفيّته الثقافيّة او الفكريّة او حتى السياسيّة.

هناك فئة واحدة فقط هي التي تحاول ان تجمع النّقيضين فتدّعي أنّها مع الحسين (ع) من دون البراءة من يزيد، وتلك هي التي تستبطن الولاء للثاني وتتظاهر بالولاء للأول، وهو نوع مو انواع النّفاق الذي يلجأ اليه من لا يمتلك الشجاعة الكافية لإعلان البراءة من الحسين (ع) والولاء ليزيد.
لقد تحدث الامام الحسين (ع) مرة في مسجد النبي (ص) في حياة أبيه عليه السلام عن خداع الذات هذا في موضوعة النبوة والإمامة بقوله {فمنْ زَعم انّه يُحبّ النّبي ولا يُحبّ الوصيّ فقد كذَب، ومن زعم انه يعرفُ النّبي ولا يعرفُ الوصيّ فَقَدْ كفر}. 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك