المقالات

عاشوراء (5) السنة الثانية

1222 21:54:28 2014-10-29


{وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً قَتَلَتْكُمْ وَلَعَنَ اللهُ الْمُمَهِّدينَ لَهُمْ بِالَّتمْكينِ مِنْ قِتالِكُمْ}. 
رُبّما ان من يباشر ارتكاب الجريمة واحدٌ او زمرة صغيرة، الا انّ من يهيّء الظروف ويُعدّ مسرح الجريمة ويمكّن المجرم من فعلته كثيرون جدا، ولذلك فانّ مرتكب الجريمة هو كالجزء الظاهر من جبل الثلج، وربما يكون أتفه حلقات الجريمة وارذلها، امّا الذي يهيّء ويخطط ويمكّن فيكون بمثابة العقل المدبّر في القصة.
وقد تحدّث القرآن الكريم عن هذه الحقيقة في قصّة ناقة صالح عندما استخدم صيغة الجمع في ذكر القاتل، على الرغم من انّه واحدٌ فقط، فقال تعالى {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا}.
لقد ساوى الاسلام بين ثلاثة في كل جريمة، فعَن أمير المؤمنين عليه السلام {العامِل بالظّلم، والمعينُ عليه، والرّاضي به، شركاءٌ ثلاثة} وذلك تأسيساً على قول الله عز وجل {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ} وقولُه عزّ وجلّ {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ} وصدق الامامُ جعفر بن محمد الصّادق عليه السلام الذي قال {لولا انّ بني أميّة وجدوا مَن يكتب لهم ويجيء لهم الفيء ويُقاتل عنهم ويشدّ جماعتهم، لما سلَبونا حقّنا}.
وفي هذا النص من زيارة عاشوراء يحاول المعصوم ان يحدّد هوية أحد أخطر مصادر الجريمة، وهو الممهّد للمجرم بالتّمكين، فكيف يُمكّن أحدٌ لقاتل تنفيذ الجريمة؟.
الف: بالّلسان، عندما يساهم المرء في تناقل الإشاعات والدعايات والأكاذيب ضد الضحيّة، فانّ ذلك يهيء الأجواء الإعلاميّة والنفسيّة لمرتكب الجريمة، ما يهوّن عليه الفعل فيندفع لها وبدم بارد.

ولهذا السبب حذّر الله تعالى من مغبّة المساهمة في إشاعة الفاحشة بين الناس لانها تهيّء وتمكّن لمسرح الجريمة فقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.
باء: بالبيان، والذي يوظّفه أهل الأدب والخطابة والقلم، إنّهم وُعّاظ السلاطين وأصحاب الأقلام المأجورة الذين باعوا شرف المهنة ورسالة البيان بثمنٍ بخسٍ من اجل إرضاء الحاكم الظّالم مقابل ان يرمي لهم بعض فتات موائده الخسيسة.
جيم: بإشاعة الأسرار، وهي من أخطر انواع التّمكين، فالثرثار يهيّء اجواء الجريمة ويمكّن القاتل من حيث يشعر او لا يشعر، خاصّة في زمن الحرب وعلى وجه الخصوص زمن الحرب على الارهاب.
دال: بالوقوف على التلّ متفرجاً، والّذين قال عنهم أمير المؤمنين (ع) في الذين اعتزلوا القتال معه: {خَذَلُوا الْحَقَّ، وَلَمْ يَنْصُرُوا الْبَاطِلَ}.
قد يظنّ البعض ان الممهّدين بالتّمكين هم المجرمون فقط، وهذا ظنٌّ خطأ وتصوّر ليس في محلّه، فقد اكونُ انا وتكون انت من هذا الصّنف، لانّه دَورٌ قد يرتكبه حتى ذوو القلوب الطيّبة كما يقولون، من الذين ينشرون كل ما يصل لهم من اخبار وصور ومقالات وتحليلات وأفلام هي بمثابة تمكين وتهيئة لمسرح الجريمة من حيث لا يشعرون.
انّ ما يؤسف له حقاً هو أنّنا تحوّلنا اليوم الى طابور خامس والى حصان طروادة بيد الأعداء خاصة الارهابيين التكفيريين، عندما تحوّلنا الى ضرعٍ يُحلب وظهرٍ يُركب ونحن نحسب اننا نُحسن صنعاً.

انظروا ماذا ننشر يومياً من أكاذيب وافتراءات؟ وانتبهوا الى مساهماتنا في تهيئة الأجواء النفسيّة وتمكين القاتل من جريمته؟.
الى متى نظلّ نُقدّم الخدمة المجانية للقاتل بمثل هذه المساهمات السّخيفة وتحت عنوان (كما وصلني)؟ والى متى نظلّ نقدّم رقابنا لسكّين الارهابيّين المجرمين القتلة بنشرنا للإشاعات والدعايات؟ هل نعلم انّنا بهذا الفعل ملعونون بالنصّ الوارد الذكر، لأننا مشمولون بصفة التّمهيد والتّمكين؟.
هاء: انْ تُصدِّق كلّ ما تقرأْ او تسمعْ او تشاهدْ، ففي زمن الحرب ينبغي ان يكون الأصل هو التكذيب ما لم يثبُت العكس، فلا يجوز ان يحكمنا حسن الظن بمثل ظروف الحرب على الاٍرهاب، ولذلك أوصى أمير المؤمنين (ع) مالكاً بقوله {وَاتَّهِمْ فِي ذلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ}.

انّنا اليوم في معرض حربٍ نفسيةٍ تعتمد الكذب والتزوير والتضليل بدرجة واسعة جداً، فلْنحْذرْ من السّقوط بشِراكهم وشِباكهم فنبتلعَ الطّعم من حيث لا نشعر ولا نريد. وَصدقَ أميرُ المؤمنين (ع) الذي قال متحدثاً عن هذه الحالات مجتمعة {وَاللهِ إِنَّ امْرَأً يُمَكِّنُ عَدُوَّهُ مِنْ نَفْسِهِ يَعْرُقُ لَحْمَهُ، وَيَهْشِمُ عَظْمَهُ، وَيَفْرِي جِلْدَهُ، لَعَظِيمٌ عَجْزُهُ، ضَعِيفٌ ماضُمَّتْ عَلَيْهِ جَوَانِحُ صَدْرِهِ}.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك