كيف قرأت طهران الهجوم الدبلوماسي الاخير لوزير الخارجية السعودي؟

علي عوباني

ما ان حطت طائرة الدبلوماسية الايرانية للمرة الاولى في مطار الرياض مؤخراً حتى استبشر محللون وخبراء خيراً، وبدأت التحليلات من كل حدب وصوب تبني آمالاً وتتوقع حلولاً لعقد كثيرة في المنطقة، وما ان تكرر ذلك للمرة الثانية في اسابيع قليلة حتى تعمقت هذه القناعات وزادت وتعززت مع لقاء وزيري الخارجية السعودي ونظيره الايراني في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة، لكن الايام الاخيرة حملت تصريحات سعودية نسفت كل تلك الايجابيات وعبّرت عن مكنونات التعامل السعودي في ملف العلاقات بين البلدين، فما سر هذا التصعيد الاخير، وكيف قرأت طهران الهجوم الدبلوماسي الاخير لوزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، وما يحويه من مضامين ورسائل؟!.

ظريف|الفيصل|ايران|السعودية|

مصادر ايرانية ارجعت تصريحات الفيصل الاخيرة الى اسباب، تتعلق بمجملها بالنظرة السعودية للتطورات الاخيرة في المنطقة على اكثر من صعيد، والتي عبّرت عن تراجع النفوذ السعودي في اكثر من ساحة، ففي البحرين اعلان المعارضة عن مقاطعتها للانتخابات، وفي اليمن اسقاط الحوثيين لرئيس الحكومة المكلف احمد عوض بن مبارك المحسوب عليها، ترافق ذلك مع تمدد حركة "انصار الله" العسكري باتجاه معقل تنظيم "القاعدة" في محافظ البيضاء وسط البلاد، وسعيها للوصول الى محسن الاحمر رجل السعودية الاول في اليمن، وصولاُ الى مضيق باب المندب الذي يربط البحر الاحمر بخليج عدن.

وفي العراق، وفي غمرة شد الحبال على الحقيبتين السياديتين الداخلية والدفاع، حيث سعت السعودية للحصول على احد الموقعين لمحسوبين عليها، اتت تصريحات رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لتعقد الامور اكثر، حينما عبّر عن رفضه في تصريح له مطلع الشهر الجاري لمشاركة دول عربية في ضربات التحالف الدولي في العراق، وهو ما قرأت فيه السعودية تماهياً عراقياً مع الموقف الايراني من التحالف.

كل هذه الاسباب الموضوعية، تتوج بسبب آخر شخصي، حيث تتحدث المصادر عن ان خلفيات تصريحات الفيصل الاخيرة تعود لجوانب في شخصية الفيصل نفسه، فهو لعب منذ البدء دوراً سلبياً هدف لتخريب العلاقات الايرانية السعودية، وحتى عندما ابدى انفتاحاً لجهة دعوته ظريف الى الرياض ولقائه مساعده عبد اللهيان مرتين لم يكن ذلك اكثر من مناورة سياسية ودبلوماسية بعدما تناهى الى مسامعه اصداء لقاء عبد اللهيان بنجل الملك السعودي عبد العزيز بن عبد الله في السنغال، وهو ما اشتم منه الفيصل محاولة للقوطبة والالتفاف عليه لسحب ملف العلاقات بين البلدين من سلطته، فعمد الى الايحاء بداية بالانفتاح السعودي على طهران، ليعود ويستغل التطورات الاخيرة في المنطقة للانقلاب على ايجابيات عكستها تصريحاته قبل اسابيع قليلة،  لتنكشف فصول "مناورة الفيصل" سريعاً.

وحول مسار الامور خلال الايام المقبلة، ترشح المصادر الايرانية بان تتجه الامور الى المزيد من التفاقم بين البلدين، لكنها تشير الى انه ليس واضحاً ما اذا كان ذلك سيشمل لبنان ام لا لاعتبارات عدة، ابرزها ان تصريح الفصيل نفسه حصر الخلاف في اربع ملفات هي البحرين واليمن وسوريا والعراق، وفي هذا الاطار، تلفت المصادر الى أن الرد السعودي على قرار المقاطعة البحرينية جاء من البوابة الخليجية ايضاً عبر اصدار الحكم باعدام العلامة الشيخ نمر باقر النمر بعد تأجيل المحاكمة لعدة مرات، والذي جاء عقب اعلان مقاطعة الانتخابات البحرينية بأيام معدودة.

السعودية|ايران|الفيصل|ظريف

لقاء ظريف والفيصل على هامش اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة

ومن هذا المنطلق، تتوقع المصادر ايضاً تشدداً سعودياً في عدة ملفات وعلى اكثر من جبهة، ومنها لبنان عبر الايعاز لازلامها فيه ببدء حملات سياسية واعلامية جديدة ضد حزب الله، وهو ما بدأنا نتلمس ملامحه في الايام الاخيرة، وتحديداً من بوابة مطالبة الحزب بالانسحاب من سوريا، او لجهة زج اسمه بالاعتداءات المتكررة على الجيش في طرابلس..وغيرها من الاتهامات، يأتي ذلك متزامناً مع استعراضات "جبهة النصرة" الاعلامية، وعرضها انتصارات وهمية على حزب الله في جرود بريتال والسلسلة الشرقية. 

أما في سوريا، فستسعى السعودية لتحقيق انجازات ميدانية عبر المسلحين الممولين والمدعومين من قبلها، حيث يتوقع ان تزداد وتيرة دعمها وتمويلها لهم، وصولاً الى التورط السعودي المباشر للمرة الاولى بتدريب مسلحين على اراضيها، وهو ما عبر عنه "البنتاغون" حينما اشار منذ ايام بان السعودية ستستقبل الدفعة الاولى لتدريبهم.

اما على الساحة اليمنية فتولي السعودية اهتماماً كبيراً لما يجري فيها من احداث باعتبارها البوابة الخلفية لها، وهي ضغطت في المرحلة الاخيرة للتعويض عن خسارتها الفادحة بعد ازاحة محسن الاحمر، ورفض الحوثيين تكليف بن مبارك في الحكومة، ولذلك تتوقع المصادر الدبلوماسية تصعيد الحملة على الحوثيين في اليمن، ومحاولة السعودية استمالة بعض القوى السياسية والقبائلية في البلاد لصالحها لتعزيز موقعها المهتز هناك.

وتخلص المصادر الايرانية الى ان التخبط السعودي والذي عبر عنه التصعيد الكلامي الاخير المتمثل بتصريحات الفيصل ليس دليل قوة بل دليل ضعف، ويعود بشكل اساسي لاستنفاد السعودية كل اوراقها في المنطقة، وهو ما قرأت فيه طهران دعوة لها من الفيصل للاستسلام واخلاء المنطقة تماماً من النفوذ الايراني. وهو ما ليس وارداً بالطبع على الاطلاق، حيث تتوقع المصادر عودة العلاقات بين البلدين الى نقطة الصفر بانتظار الدخول الاميركي على الخط مجدداً لكبح الجماح السعودي واعادته الى الطاولة للجلوس مع المفاوض الايراني من جديد.       

18/5/141024