المقالات

المصالحة الوطنية في العراق بين الشعار والتطبيق

2366 23:54:12 2014-09-15

يعود تعبير المصالحة الوطنية إلى الزعيم الفرنسي التاريخي شارل ديغول، وقد استخدمه فيما بعد على التوالي كل من جورج بومبيدو وفرنسوا ميتران، وذلك عندما رسخ عندهما الاعتقاد بضرورة تحمل مسؤولية محو ديون وجرائم الماضي التي وقعت تحت الاحتلال أو إبّان حرب الجزائر. واستخدم مانديلا هذا المفهوم في جنوب أفريقيا عندما كان قابعاً في السجن، إذ رأى أن من واجبه أن يضطلع بنفسه بقرار التفاوض حول مبدأ إجراء العفو العام، الذي سيتبع أولاً عودة منفيي المؤتمر الوطني الإفريقي ويطمح إلى مصالحة وطنية، بدونها سيكون البلد عرضةً لمزيد من الاحتراق وإراقة الدماء التي سيقف وراءها الانتقام بكل تأكيد.

ويطلق مفهوم المصالحة بشكل عام على الحالات التي يكون فيها  طرفان متعاديان ومتخاصمان ومتحاربان وليس مجرد مختلفين  في الرأي والرؤى الايديولوجيه وغيرها من الأطروحات الفكرية  حول قضية ما من القضايا . 

والمصالحة كمشروع طويل الأمد تعني انجاز توافق وطني  بين مختلف مكونات المجتمع ، وبالتالي فأن المصالحة ليس تعبير عن مرحلة معينة بذاتها وإنما إطار عام واستراتيجي وهي بالتأكيد تحتاج إلى توافق وطني يستهدف تقريب وجهات النظر المختلفة ، وسد الفجوات بين الأطراف المتخاصمة أو المتحاربة . فالمصالحة أذن درجةٌ ساميةٌ في درجات النضج السياسي للدولة وكذلك تشير إلى الوعي السائد بين أفرادها، وتدل على اكتمال رشد الدولة ومؤسساتها والتطور الثقافي والسياسي واستقامة الممارسات فيها . 

وهناك من يُعرّف المصالحة بأنها تنشأ على أساسها علاقة بين الأطراف السياسية والمجتمعية ، وتقوم على قيم التسامح، وإزالة آثار صراعات الماضي، من خلال آليات محددة وواضحة وفق مجموعة من الإجراءات الهدف منها الوصول إلى نقطة الالتقاء ، بينما يعدهاّ البعض الآخر صيغة تفاهم بين أبناء الوطن الواحد للوصول إلى برنامج متفق عليه لإنقاذ الوطن من أزمته ووضعه على الطريق الصحيح أما المصالحة بالمعنى الشامل فهي ، توافق وطني يستهدف تقريب وجهات النظر المختلفة، وسدّ الفجوات بين الأطراف المتخاصمة أو المتحاربة، وتصحيح ما ترتب عليها من أخطاء وانتهاكات وجرائم، مع إيجاد الحلول المقبولة، وذلك لمعالجة تلك القضايا المختلف حولها بمنهجية المسالمة والحوار، بدلاً من منهجية العنف وإلغاء الآخر، والنظر بتفاؤل إلى المستقبل والتسامح مع الماضي وترسيخ المشاركة وتعميق لغة الحوار . ويعتمد النهج الحقيقي للمصالحة الوطنية على إيجاد حلول للقضايا الأساسية في الصراع، والعمل على تغيير العلاقات بين الخصوم من الحقد والعداء والكراهية إلى الصداقة والوئام والشراكة، ولا بد أن يكون الجميع على قدم المساواة في الحقوق والواجبات ،

ومن هنا نقول أن المصالحة الوطنية الحقيقية التي نريدها ، لا تعني أن يتساوى فيها الضحية والجلاد ، لأنها في النهاية مصالحة مع الذات أولا ومع الشركاء الذين لا بد لهم من الإيمان بأن القتلة والمجرمين خارج نطاق المصالحة والتسامح . ولذا فأن المصالحة لا تعني نسيان الآلاف من الشهداء والمعتقلين والمجازر البشرية في الأنفال وحلبجة والمقابر الجماعية وسياسة الظلم الممنهج للإنسان العراقي والاضطهاد التي عاشها العراقيين في الحقبة المظلمة من نظام البعث الفاشي على امتداد 35 سنة من دون محاسبة قانونية أو تطبيق العدالة بحق مرتكبيها . كما لا يمكن أن نتصالح مع الإرهاب والمجرمين الذين سفكوا الدم العراقي تحت عناوين الجهاد والمقاومة ، وكانوا الامتداد الحقيقي للبعث وفلول النظام البائد الذين يحلمون بإعادة المعادلة السابقة في الحكم والتسلط . ولكي تكون المصالحة حقيقية وواقعية علينا تطبيق المسؤولية الجنائية والمدنية على جميع من ارتكب الإجرام والإرهاب بحق الإنسان العراقي ، والاعتراف الصريح بالمعانات التي سببتها تلك الأفعال وإدانتها .

فالمصالحة هي شكل من أشكال العدالة الانتقالية التي تكون ضرورية لإعادة تأسيس الدولة على أسس شرعية قانونية وتعددية وديمقراطية في الوقت ذاته. لكن المصالحة تتطلب نوعاً من الصفح والشخص الوحيد الذي يملك صلاحية الصفح هو الضحية، ولا يحق لأي مؤسسة أن تتدخل كطرف ثالث . وفي العراق نسمع الكثير عن مشروع المصالحة الوطنية والمشاركة في العميلة السياسية من اجل بناء عراق ديمقراطي اتحادي حر تعددي،ولكنها وللأسف الشديد لم تكن بمستوى المرحلة أو توازي الطموح ، حيث لم يتم التعريف الحقيقي للمصالحة ، ومع من تكون ، ولصالح من ، والكثير من مشاريع المصالحات كان حبر على ورق ولم نرى الآليات والبرامج الواقعية للتطبيق والتي يمكن لها أن تحوله من مجرد شعارات وخطابات سياسية إلى واقع عملي ومدروس يرتقي إلى ثقافة التسامح بين المكونات وحتى الأحزاب والتيارات السياسية المتنازعة والمتخاصمة على السلطة .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك