المقالات

ضياع المستقبل بالماضي

1515 00:21:16 2014-08-21

في رائعة من روائع الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) والذي تصادف بعد غد الجمعة ( آب) ذكرى استشهاده، يقول {لا تُشعِروا قلوبكم الاشتغال بما فات، فتُشغِلوا أذهانكم عن الاستعداد لما يأتي}.
كأنه (ع) يقرر الحقائق التالية:
اولا: ان من ينشغل بالماضي او يحنّ اليه إنما يتعامل مع الحياة بالعواطف، لانّ التغنّي بما فات هو ضرب من ضروب الخيال ودليل واضح على العجز، وتهرّب من استحقاقات الواقع وما يليه.
ثانيا: دخول المستقبل يحتاج الى استعداد، والاستعداد لا يتم بالعواطف ابدا وإنما بالعقل المتجرّد عن الميول العاطفية ليكون قادرا على التفكير السليم، فيقرّ بالمتغيّرات ويندمج مع التطوّرات ويقبل التحدي الذي يتطلبه الانتقال الى المستقبل ولا يرفض الثمن الذي يجب ان يدفعه لكل متغيّر، إنْ على صعيد طريقة التفكير او على صعيد المستلزمات.
ان الشعوب المتحضّرة هي القادرة على ان تدع العواطف جانبا ولا تنشغل بالماضي الا بمقدار كونه دروسا وتجارب وخبرات متراكمة، لتطلق الحرية للعقل يفكر بلا أغلال تسحبه الى الماضي، اما الشعوب المتخلفة فهي المشغولة بالماضي لدرجة التكلّس والانجماد عليه، ولذلك تراها مشغولة به عن الحاضر والمستقبل، فاذا انتقلت او دخلت بالأخير صدفة فإنما تدخله عنوة وعن غير إرادتها، او انها تُقحم به رغما عنها.
ان الشعوب المتحضرة هي التي تنطلق من الماضي والحاضر الى المستقبل، اما الشعوب المتخلفة فهي التي تقف عند الماضي وتقبل ان تدفع ثمن أحداثه وصراعاته ومآسيه من دون ان يكون لها ايّ دخل في صناعته او حتى التأثير به.
واذا اردنا ان نعرف من اي الشعوب نحن، فلنحسب الزمن الذي نصرفه من تفكيرنا في الانشغال بالماضي وما نصرفه منه في الانشغال بالمستقبل، وللأسف الشديد فان اكثر من () من تفكيرنا مصبوب على التفكير والانشغال بالماضي وأحداثه وشخوصه، واكثر، فترانا للان نحتدّ في نقاشاتنا (التاريخية) وقد نتقاتل فيها، مع ان الجميع يعرف جيدا بانْ لا احد بإمكانه ان يغيّر فيها شيئا ابدا، اما عندما يجري الحديث عن المستقبل فترانا نتمطى ونتكاسل ونتثائب وكأنّ صاعقة نزلت علينا من السماء، لماذا؟.
لماذا نرتاح للنقاشات (التاريخية) ونتضجور من نقاشات المستقبل؟ الجواب: لأننا شعوب متخلفة لازالت تعيش الماضي بكل تفاصيله ومشاكله وصراعاته، وكأننا جبهتين من الكومبارس في مسلسل تاريخي تمتد أحداثه في عمق التاريخ، لتستصحب الزمن الى يوم يبعثون.
اذا اردنا ان ندخل المستقبل علينا اولا ان نضع حدا للانشغال بالماضي، من اجل ان لا نشغل عقولنا بالاستعداد للمستقبل على حد قول الامام الصادق (ع) ولنا في تجارب الشعوب والأمم المتحضّرة خير دليل على ذلك، فلا تجد شعباً ظلّ يحنُّ الى الماضي او منشغل به نجح في دخول المستقبل، ابدا.
تعالوا نقلب نسبة انشغالنا، لتكون () منها للمستقبل، لنعدّ ونستعدّ خاصة بالتخطيط له، فالزمن لا يرحم ابدا وهو لا يحمي المغفلين المنشغلين بالماضي.
لقد أشار الامام علي (ع) الى هذه الحقيقة بقوله {مَنْ تَذَكَّرَ بُعْدَ السَّفَرِ اسْتَعَدَّ} هذا يعني ان الذي ينسى الحاضر او يتغافل عن التحديات او ينشغل بالماضي لن يستعد للمستقبل ابدا.
ومن كلام له (ع) لابنه محمد بن الحنفية عندما أعطاه الراية يوم صفين {تَزُولُ الجِبَالُ وَلاَ تَزُلْ! عَضَّ عَلَى نَاجِذِكَ، أَعِرِ اللهَ جُمجُمَتَكَ، تِدْ في الاَْرْضِ قَدَمَكَ، ارْمِ بِبَصَرِكَ أَقْصَى القَوْمِ، وَغُضَّ بَصَرَكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللهِ سُبْحَانَهُ} فالنظر الى الامام وعدم الانشغال بكل ما يثبّط العزيمة ويقلّل من الاندفاع وتميل به كفة العاطفة على العقل، هي من اسرار النجاح ودخول المستقبل.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك