التقارير

بهدوء.. ملك الأردن إلى دمشق؛ هل هناك بديل؟

1532 05:11:16 2014-07-14

ناهض حتر

هل تصدّقون أن السعودية التي تنهمر ملياراتها، هنا وهناك، وبلا حساب، لتحقيق أهداف التحالف الأميركي ــــ السعودي، لا تزال تمتنع عن تمويل الخزينة الأردنية؟ ولا متليك!

ليس هذا بخلاً بالطبع، بل هو تعبير عن نهج سياسي غامض تتبعه واشنطن والرياض حيال دولة «حليفة»؛ هل تريدان إخضاعها بالكامل لخططهما الخاصة بالمعارضة السورية وإسرائيل، أم دفعها إلى الحافّة أم إلى الهامش الأخير، أم حتى إسقاطها؟

اقتربت المديونية الأردنية، أثناء كتابة هذه السطور، من 27 مليار دولار؛ قد يكون المبلغ غداً أضخم وأضخم. المملكة تمارس الاقتراض بلا توقّف للإيفاء بالتزاماتها، والقروض متاحة سواء من البنوك المحلية أو بسندات الدين الدولية المدعومة أميركياً. تبدو هذه الغواية، في نظر المسؤولين الأردنيين، الحل السهل للأزمة المالية المتفاقمة والجمود الاقتصادي معاً. هناك، بالطبع، في مكان ما من النقاش الداخلي في غرف القرار، محرك لشراهة الاقتراض يكمن في الأمل في مساعدات سخية تغطي المأزق المالي. لكن الأيام تمرّ، والآمال تتبخّر، والورطة تكبر.

تحت الطاولة، هناك عرض سعودي مستمر لشراء غزوة عبر الحدود الأردنية ــــ السورية، بل قل حرباً بين البلدين الشقيقين. عرضٌ رفضته عمّان دائماً. الآن، يقترح الرئيس الأميركي، باراك أوباما، نصف مليار دولار لتدريب مقاتلين سوريين «معتدلين» على نطاق واسع في الأردن؛ ستأخذ عمّان حصتها الهزيلة لقاء تحويل البلاد إلى ثكنة تعجّ بالمسلحين من سوريا والمدربين من أميركا؛ الملك عبد الله الثاني أبدى لنائب الرئيس الأميركي، جون بايدن، تحفّظه عن الخطة. وفي عمّان، نقلت وكالات الأنباء عن مسؤولين مجهولي الهوية، مواقف متباينة. أحدهم صرّح: «لم نعتذر بعد»، وثانٍ أبدى تخوّفه من «رد سوري عنيف»؛ فما كان يحدث من تدريب المئات من المسلحين على أيدي مئات من الجنود الأميركيين، سراً وبحذر، شيءٌ، والتورّط في خطة واسعة النطاق لتدريب آلاف المسلحين السوريين مع وجود عسكري أميركي كثيف، شيءٌ آخر. يعني ذلك الانزلاق نحو الحرب والفوضى، وخصوصاً أن الكثيرين من المسلحين الذين تأكدت تحقيقات السي آي إيه من «اعتدالهم»، ودرّبتهم في الأردن، التحقوا، حالما حلوا في سوريا من طريق إسطنبول، بصفوف «داعش».

«داعش» ــــ «الدولة الإسلامية» ــــ «الخلافة»، لها أرضية اجتماعية ــــ سياسية ملائمة في الأردن، ولها تنظيم ومؤيدون علنيون وسريون؛ ومن هؤلاء، عدا الإخوان المسلمين والبعثيين العراقيين، معارضون وطنيون علمانيون يئسوا من كسر الجدار الصلب لمؤسسة الفساد والسياسات النيوليبرالية والمتأسرلة؛ أصبحوا يفكرون كالآتي: فلننسحب، وندع الدواعش يسقطون أو يهزّون نظاماً رفض كل العروض للتسويات الوطنية الاجتماعية، بينما يتعاطى، في السياسة، مع الليبراليين اللاوطنيين، وفي الترتيبات الأمنية، مع إرهابيين («القاعدة» و«النصرة») ضد إرهابيين («داعش»).

تسيطر «داعش» اليوم على مناطق أكبر من الأردن مساحة، وتتمتع، بخلاف هذا البلد الفقير، بثروات النفط والمياه والزراعة، بل وتملك فائضاً مالياً لا تحلم به المملكة، ثم إنها قادرة على التنظيم والحشد الداخلي، والتحرك، وما ينقصها هو بطاقة خضراء أميركية ــــ إسرائيلية ــــ سعودية؛ ومع ذلك يتبجّح وزير الخارجية، ناصر جودة، بأن خطر «داعش» يمكن السيطرة عليه ببضع آليات مسلحة!

يستند ذلك التبجح إلى حرير ينام عليه العقل الأمني الأردني يكمن في ما بناه من اختراقات في المجموعات الإرهابية، من دون الالتفات إلى أن صيرورة الظواهر الاجتماعية السياسية، لا يعرقلها اختراق مخابراتي، ولا يمنعها التدخل الأمني.

خطأ العمر ارتكبته عمّان في العراق، حين قدمت الدعم لبعثيي عزة الدوري والعشائر والفصائل الإسلامية «المعتدلة» ضد حكومة نوري المالكي؛ كانت لديها طمأنات وتقديرات زائفة بهامشيّة الدواعش إزاء كل هؤلاء المعتدلين؛ ما حدث أن جند الخليفة أبو بكر البغدادي هم الذين سيطروا على الموقف، بل إن أفضل ما حصل عليه «الرفيق المجاهد عزة الدوري»، هو السماح له بإعلان البيعة للدولة الإسلامية، لا للخليفة شخصياً، وبخطابٍ مسجل على الطريقة الصدامية، لكنه يضع «الدولة» في مقامها القيادي، ويمتدح إعلانها «العفو العام» ــــ القائم على الاختيار بين التوبة والذبح ــــ وهو ما تمّ تطبيقه على ضباط بعثيين وقيادات قبلية فعلاً.

خسرت عمان، بمغامرتها العراقية الفاشلة، بغداد والمشاريع الكبرى مع المالكي، ولم تربح المناطق السنية التي تحولت مصدراً للتهديد السياسي والأمني، أما التحالف مع كردستان، فليس له مستقبل، ما دامت أربيل تحوّلت إلى مساحة نفوذ مشتركة بين تركيا المعادية للأردن وإسرائيل التي تريد فرض حمايتها على البلد، وإخضاعه لبرنامج الوطن البديل.

فشل مغامرة العراق، يدعو عمّان إلى النفور من خطة باراك أوباما لتدريب المسلحين السوريين، وتحشيدهم لغزوة ستنقلب حرباً ثنائية، مع الجيش السوري من جهة، و«المعتدلين» المتحوّلين حتماً إلى دواعش، من جهة أخرى.

المشهد الأردني، باختصار، يتلخّص في الآتي: أزمة مالية بنيوية، وجمود اقتصادي عميق، واختناقات اجتماعية ــــ سياسية متعاظمة، وانشقاق جذري في الهوية الوطنية، ونموّ سريع للظاهرة الجهادية، ومخاطر جدية محتملة من الحدود الشرقية والشمالية، ونخبة سياسية مشلولة، وطبقة حاكمة ترفض تقديم أي تنازلات داخلية لقيام تحالف وطني اجتماعي يواجه التحديات واستحقاقاتها.

المشهد مغرٍ لإسرائيل، لكي تنقضّ على البلاد تحت لافتة «الدعم» و«الحماية» وإخضاع «الضفتين» لبرنامجها في تصفية القضية الفلسطينية، بينما تضرب غزة حتى الدمار أو تفرض عليها وعلى مصر السيسي، العودة إلى تفاهمات حسني مبارك ــــ محمد مرسي.

البديل الأردني الجدي الوحيد الممكن الآن يكمن في تفاهمين استراتيجيين: داخلي مع الحركة الوطنية والمحافظات والعشائر، وخارجي مع سوريا. موضوعياً، يستطيع الملك عبد الله الثاني أن يخرج من شبكة الحلفاء ــــ الأعداء، نحو هذين التفاهمين.

المسافة بين المفرق ودمشق تكفيها مروحية، يمكن أن تكون حاضرة لتنطلق بالملك من لقاء وطني في مضارب البادية الأردنية إلى لقاء حان وقته مع الرئيس بشار الأسد في العاصمة السورية؛ أليس هذا، بالضبط، ما فعله الملك حسين مع الرئيس حافظ الأسد، مرتين: في السبعينيات لمواجهة استحقاقات مع بعد أيلول 1970، وفي أواسط الثمانينيات للخروج من مأزق مشروع «الكونفدرالية»؟

كان الملك حسين، حليف الولايات المتحدة، يستدرك لحظة الهاوية الأميركية، بالذهاب نحو دمشق. وكان الرئيس حافظ الأسد، دائماً، مفتوح القلب والذراعين للأردن والأردنيين.

عن الأخبار اللبنانية

14/5/140714

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك