التقارير

«الخليفة» الموصلّي و«السلطان» العثملّي

1270 06:50:23 2014-07-10

محمد نور الدين

عندما بدأ رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان حملته الرئاسية من سامسون، أراد أن يوحي للناس بأنه أتاتورك الثاني... ولكن في الاتجاه المعاكس.

أتاتورك، وكان حينها فقط مصطفى كمال، بدأ من سامسون «حرب التحرير الوطنية»، أو «حرب الاستقلال»، التي انتهت بإعلان الجمهورية في العام 1923، ثم أتبعها بمجموعة من الإصلاحات التي غيرت وجه تركيا ليكون غربياً.

في خطاب ترشحه إلى الانتخابات الرئاسية، كانت رسائل اردوغان واضحة في تحديد توجهه المستقبلي. استذكر السلطان السلجوقي ألب ارسلان، قاهر البيزنطيين في موقعة ملازكرد في العام 1070. واستذكر صلاح الدين الأيوبي قاهر الصليبيين، ومحمد الفاتح قاهر المسيحيين في القسطنطينية. لكنه لا يزال يستذكر السلطان سليم الأول قاهر الصفويين وقاتل العلويين في الأناضول.

بهذه الروحية بدأ اردوغان مساره الرئاسي، لكنه كان يستأنف المسار الذي سلكه منذ سنوات.

يتقن اردوغان لعبة التخلص من رفاق الدرب. استبعد كل القوى الديموقراطية واليسارية والعلوية والليبرالية والكردية التي ساعدته على التخلص من نفوذ العسكر. وفي وقت لاحق انتهز الفرصة ليطبق على غريمه فتح الله غولين في اكبر انشقاق للحركة الإسلامية في تركيا. ولن يطول به الوقت ليهمش رفيق دربه الوفي الرئيس عبد الله غول خصوصا إذا انتخب رئيساً.

ويريد اردوغان ممارسة دور الرجل الأول والأقوى في البلاد، وذلك لمزيد من الاستئثار في الداخل، ومزيد من التعنت في الخارج.

لم يتراجع اردوغان قيد أنملة عن سعيه ورهانه لإسقاط النظام في سوريا، وعندما فشل، عمل على ضرب الخاصرة السورية من جهتها العراقية. وحين فشل في الرهان على المنظمات «المعتدلة» التي رعاها وسلحها ودعمها، مثل «الجيش السوري الحر» و«الائتلاف الوطني السوري»، انتقل إلى دعم المنظمات المتطرفة مثل «جبهة النصرة»، ومن بعدها شقيقها تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش».

لم تنفع محاولات إيران لتغيير موقف اردوغان من سوريا والعراق. وعندما اعتقل «داعش» الديبلوماسيين، كما اعتقل السائقين الأتراك، في الموصل كانت «المسرحية» مكشوفة. «داعش» بنظر وزير الخارجية احمد داود اوغلو، هو نتيجة للفشل في إسقاط النظام السوري. نعم ليس سوى هذا. «داعش» ليس منظمة إرهابية. يتحدث عنه المسؤولون الأتراك كما لو انه حزب سياسي عراقي، أو حتى تركي. هو «داعش» من دون أي صفات. لم يمارس إرهابا ولا مجازر ولا هدم دور عبادة إسلامية ومسيحية. ولا خوف أبدا على المعتقلين الأتراك.

من أين لحكومة اردوغان هذه الطمأنينة؟ ولماذا وكيف أطلق سراح السائقين الأتراك؟ ولماذا وكيف سيطلق غداً الديبلوماسيون في القنصلية التركية في اسطنبول؟ ولماذا تخلى الأتراك عن قلقهم من إعلان «رئيس» إقليم كردستان مسعود البرزاني دولة كردية مستقلة؟ ولماذا لا يخافون على وحدة أراضيهم ولو بعد عقود؟ ولماذا التزم اردوغان وداود اوغلو الصمت على إعلان «الخلافة» من جانب أبو بكر البغدادي ومن مدينة الموصل بالذات التي لا يزال «حزب العدالة والتنمية» يراهن على أنها ستعود لتركيا، كما يراهن منذ سنوات على عودة المستعمرات العثمانية السابقة في العالم كله إلى حضن الباب العالي؟

إذا كانت من إجابة لكل هذه الأسئلة فهو أن أولوية الانتقام والثأر من فشل «العدالة والتنمية» في سوريا والعراق هما ما يفسران كل هذا السلوك غير المنطقي وغير العقلاني تجاه قضايا الشرق الأوسط، بحيث لجأ اردوغان إلى التعامل مع «الشيطان» للتعويض عن فشله. حتى الإسلامي والمرشح للرئاسة إكمال الدين إحسان اوغلو دعا، أمس، إلى تغيير سياسة أنقرة في الشرق الأوسط والى المصالحة والسلم بين السنة والشيعة.

يعرف اردوغان أن استقلال كردستان لن يتوقف عند محطته العراقية، ومهما عمل لحل كردي يضمن وحدة أراضي تركيا فلن ينجح في ذلك، لأن قوة الهوية الكردية، خصوصا في تركيا حيث عانى الأكراد من عنصريات مشهود لها، كما لم يعانِ اي كردي آخر في المنطقة أو شعب آخر (عدا الفلسطينيين) في العالم، ستكون أقوى من أي حل آخر. لكن رغبة اردوغان في الانتقام من دمشق وبغداد أقوى من أي مخاطر مستقبلية على الكيان التركي.

ولم يتردد اردوغان في دعم كامل لتنظيم «داعش» (ومن قبله «النصرة»)، وهو الذي لم يوفر أي اعتبار أخلاقي إلا وهدمه ولا أي عمل وحشي إلا وارتكبه. وهو يدرك أن هذه الجماعات التي لا عهد للإسلام بها لن توفر حتى أنقرة من أهدافها عندما ينفك هذا الزواج الانتهازي والدموي بينهما. لكنها الرغبة الجامحة في إسقاط دمشق وبغداد وفي وقت لاحق طهران.

وها هو «الخليفة» الموصلّي يتفوق على «السلطان» العثملّي، فيعلنها «خلافة» تستوجب الطاعة. ولن يتأخر «السلطان» في إعلان الطاعة الكاملة ما دام الهدف دمشق ـ بغداد.

من منبر الموصل إلى منبر سامسون طريق واحد، ومسيرة واحدة، ومسار واحد ومصير واحد، إذ في لحظة معينة سيتناهش هؤلاء بعضهم بعضاً، ولن تبقى موصل ولا سامسون، ولن يبقى سلطان ولا «خليفة»، لأن هذا مسار يتعارض مع دفق التاريخ وعدالته وإنسانيته. وإن غدا، ولو طال، لناظره قريب.

عن السفير اللبنانية

15/5/140710

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك