فاعضاء مجلس النواب الذين تم انتخابهم عن محافظة العمارة مثلا لا يمثلون العمارة فقط، وانما يمثلون محافظة الانبار ودهوك وديالى وغيرها من محافظات العراق وكذلك يمثلون الشعب العراقي الموجود خارج العراق، وهذه اشارة دستورية دقيقة ولطيفة قانونية رقيقة اوردها الدستور، ( بقلم: المحامي طارق حرب )
بعد ان تنتهي الانتخابات وتظهر اسماء النواب فانه يثور السؤال التالي: ما هي علاقة الناخبين الذين قاموا بالتصويت لصالح مرشح مما يترتب عليه فوزه وحصوله على مقعد في البرلمان واصبح عضوا في مجلس النواب.. بينهم وبين من انتخبوه.
واذا كانت انتخابات 2005/12/15 قد جرت على اساس القائمة وليس على الانتخاب الفردي، فما هي العلاقة بين اعضاء القائمة في محافظة معينة ممن فازوا بالانتخابات وبين جماهير تلك المحافظة ممن صوتوا لصالح تلك القائمة وكان تصويتهم هذا السبب في فوز مرشحي تلك القائمة دون سواها من القوائم الاخرى التي تولت الترشيح واحجم الناخبون عن التصويت لها واقدموا على اعطاء اصواتهم لتلك القائمة فقط، وبعبارة اخرى ما هي الحقوق المقررة لاولئك الناخبين وما هي الالتزامات المترتبة بذمة اعضاء مجلس النواب الذين تم التصويت لصالحهم وانتخابهم، واذا كانت المادة (49) من الدستور الجديد حددت هذه العلاقة وهي ان اعضاء مجلس النواب الذين تم انتخابهم يمثلون الشعب العراقي باكمله بقولها: (يتكون مجلس النواب من عدد من الاعضاء بنسبة مقعد واحد لكل مائة الف نسمة من نفوس العراق يمثلون الشعب العراقي باكمله وبالتالي فأن اعضاء مجلس النواب الفائزين في محافظة معينة يمثلون جميع المحافظات والشعب العراقي باجمعه في داخل العراق وخارجه وليس شعب المحافظة الذي تولى انتخابهم، فاعضاء مجلس النواب الذين تم انتخابهم عن محافظة العمارة مثلا لا يمثلون العمارة فقط، وانما يمثلون محافظة الانبار ودهوك وديالى وغيرها من محافظات العراق وكذلك يمثلون الشعب العراقي الموجود خارج العراق، وهذه اشارة دستورية دقيقة ولطيفة قانونية رقيقة اوردها الدستور، فاعضاء مجلس النواب يمثلون العراق الوطن والمواطنين العراقيين داخل وخارج العراق مع ما يترتب على ذلك من ابتعاد اعضاء مجلس النواب عن المحافظات التي انتخبوا عنها. بحيث يكون عملهم لكل البلاد وجميع العباد اي للعراق وليس لاية محافظة بصورة منفردة واذا كانت قوانين الانتخاب العراقية في العهد الجمهوري كالقانون 7 لسنة 1967 و55 لسنة 1980 و26 لسنة 1995 تأخذ بهذا المبدأ وهو تمثيل النائب للشعب وليس من انتخبه فان اول قانون انتخاب صدر في 1924 شايع هذه القوانين غير انه كان يستعمل مصطلح (الامة العراقية) بدلا من مصطلح (الشعب العراقي) وان كان لا يوجد فرق بين الاثنين من حيث الاثر الدستوري والاثر القانوني فالامة والشعب مصطلحات وان تباينت مبانيها فقد اتحدت معانيها على الاقل فيما تقوله بشأن العلاقة بين النائب ومن انتخبوه.ولكن طرحت في الفقه الدستوري ثلاث نظريات بشان تحديد العلاقة بين الناخبين واعضاء مجلس النواب وتكييفها من الوجه الدستوري والقانوني، وهذه النظريات هي نظرية الوكالة الالزامية ونظرية الوكالة العامة واخيراً النظرية القائلة بان الانتخاب ما هو الا مجرد اختيار وفي هذه النظريات نقول:1- نظرية الوكالة الالزامية: وهذه النظرية هي التي كانت سائدة قبل قيام الثورة الفرنسية 1789 وقبل اقرار الدستور الاميركي في السنة ذاتها، وتتلخص هذه النظرية في ان الرابطة التي تربط الناخبين بنوابهم هي عقد الوكالة المعروف في القانون المدني باعتبار ان الوكالة عقد يقيم به الناخبون النائب مقام انفسهم في مباشرة الصلاحيات والاختصاصات المقررة للنائب في الدستور والقانون. فعضو مجلس النواب وكيل للناخبين وممثل لهم وعليه ان يعمل على وفق ما يرونه وان يبذل في تنفيذ الوكالة القدر الواجب من العناية ويلتزم النائب باطلاع الناخبين عن الحالة التي وصل اليها في تنفيذ الوكالة اثناء عضويته لمجلس النواب من تلقاء نفسه او كلما طلب منه الناخبون ذلك وان يقدم حسابا مفصلا عن وكالته عند انتهاء عضويته في مجلس النواب حتى يتمكن الناخبون من الاستيثاق من سلامة تصرفات النائب وان يكون هنالك تبادل للرأي بين النائب وبين الناخبين في كل مسالة يحتاج فيها الامر الى مثل هذا الراي وفي هذه الحالة على النائب ان يلتزم بما يحدده له الناخبون وما يصدرونه من توجيهات له وعليه ان لا يخرج عن الحدود التي حددها له، مع تقرير مسؤولية النائب الكاملة عن كيفية تنفيذ الالتزامات المترتبة عليه كوكيل عن ناخبيه مع اعطاء الناخبين الحق في عزل النائب واقالته من عضوية مجلس النواب بحيث يتم اجراء انتخابات جديدة لانتخاب نائب اخر يحل محله، ولم تكتف هذه النظرية بالالتزامات المترتبة بذمة النائب بل رتبت التزاما بذمة الناخبين وهو ان النائب يتقاضى راتبه ونفقاته من الناخبين. اذ يترتب على الناخبين الالتزام بدفع اجرة النائب مع ما يترتب على ذلك من الاتفاق بين النائب والناخبين على تحديد الاجرة التي يجب على الناخبين دفعها للنائب. ويشمل ذلك النفقات التي يصرفها النائب لتنفيذ الوكالة طيلة فترة عمله في مجلس النواب. ويستوي في ذلك ان يكون النائب قد نجح في مهمته او لم ينجح، ويستطيع النائب الرجوع في المطالبة بهذه المبالغ على اساس التضامن فالنائب يستطيع الرجوع على اي منهم باي التزام من هذه الالتزامات.2- نظرية الوكالة العامة للبرلمان: تقوم هذه النظرية على اساس ان النائب يعتبر وكيلا عن جميع الامة وجميع الشعب وليس وكيلا عن دائرته الانتخابية فقط. فالنائب يمثل مجموع الشعب وكل الامة ولا يمثل الناخبين الذين انتخبوه فقط، لانها ليست وكالة الزامية الزامية نحو ما قالت بذلك النظرية السالفة، فالوكالة هنا وكالة عامة مطلقة شاملة للشعب بمجموعه وللامة باسرها فلا يعين في الوكالة العامة محل التصرف القانوني المعهود به الى النائب ولا يعني نوع هذا التصرف طالما انها وكالة مفوضة لراي الوكيل وقوله وحسن تقديره فهي وكالة بدون تخصيص ومن غير تقييد وبلا تجزئة، ويترتب على هذه الوكالة ان عضو مجلس النواب يمثل الشعب والامة باجمعها وليس فقط المحافظة التي كان مرشحا فيها، ولهذا فان له المشاركة في المناقشة والتصويت في جميع المسائل التي تعرض على مجلس النواب ولا يخضغ النائب لاية تعليمات او توجيهات من الناخبين الذين انتخبوه كما هو الشان في نظرية الوكالة الالزامية كما يترتب على هذه النظرية الغاء حق الناخبين في عزل النائب لانه لايمثلهم وحدهم وانما يمثل الامة والشعب. فليس لهم اقالة عضو مجلس النواب وعزله طالما انه لا يمثلهم فقط وهم جزء من الامة والشعب فقرار العزل والاقالة لا اثر دستوري او قانوني له طالما انه لا يمثل المحافظة التي تم انتخابه فيها وانما يمثل المحافظات الاخرى وتقود هذه النظرية الى انه لا يقع اي التزام بذمة عضو مجلس النواب لتقديم حساب الى ناخبيه الذين صوتوا له، فهو مسؤول امام جميع الامة والشعب وليس مسؤولا امام الناخبين في المحافظة التي تم انتخابه عنها.3- نظرية الانتخاب المجرد: وهذه النظرية تخالف النظريتين السابقتين فهي ترفض نظرية الوكالة الالزامية لعضو مجلس النواب ولا تقبل وكالته العامة، وتقول ان النظريتين السابقتين عجزتا عن تفسير مهمة عضو مجلس النواب واعطاء التكييف الدستوري والقانوني لمهمته وعلاقته مع الذين تولوا انتخابه، اذ تقول ان النظريات السابقة هي فعلا ذات العلاقة بالوجه النظري فقط. ولا يمكن قبول الوجه النظري في مهمة وعمل عضو مجلس النواب والتزاماته وحقوقه المقررة بموجب الدستور وطبقا للقانون فالنظريات السابقة كما تقول هذه النظرية ابتعدت عن الواقع والمنطق بالتكييف الذي اوردته، اذ ان الانتخاب هو الاختيار والانتقاء والاصطفاء من قبل الناخبين لعضو مجلس النواب وانتخابه يتم على وفق الحذق والمهارة والكفاءة والعلم والمكنة والقدرة وليس على اساس اخر سواء اكان هذا الاساس تمثيل ناخبين معينين او محافظة محددة. اذ ان الاختيار والانتخاب لابد ان يتم على هذا الاساس ويتم رفض الاساس الذي يعتمد علاقة عضو مجلس النواب بالمحافظة التي انتخبته وبالناخبين الذين انتخبوه، لابل حتى ان مسالة وكالة عضو مجلس النواب العامة المطلقة الشاملة لا يمكن قبولها طبقا لهذه النظرية. فهذه النظرية تنكر وجود علاقة وكالة بين الناخبين واعضاء مجلس النواب سواء اكانت هذه الوكالة الزامية او وكالة عامة. وتقول هذه النظرية بان مهمة الناخبين وعملهم ينحصر في قيامهم باختيار من يرونه اكثر صلاحية لتمثيلهم في مجلس النواب وتوليهم مسؤولية الحكم ومباشرة السلطة العامة نيابة عن الناخبين. وبعد انتهاء عملية الانتخاب تنقطع العلاقة وتنتفي الصلة بين الناخبين وعضو مجلس النواب. ويصبح العضو مستقلا استقلالا تاما عن الناخبين الذين انتخبوه دون خضوع لاية تعليمات او توجيهات منهم، ومما لاشك فيه ان علاقة عضو مجلس النواب هي علاقة ذات طبيعة سياسية في حقيقتها وليست علاقة قانونية بحتة تخضع لشروط والتزامات محددة، ولهذا فان الذهاب الى القانون المدني واستعارة عقد الوكالة منه لتكييف هذه العلاقة طبقا لاحكامه يعد خطأ كبيرا اذ ان تكبيل عضو مجلس النواب بقيود والتزامات ، في مواجهة ناخبيه يفقد حريته في العمل في مجلس النواب، كما ان الادعاء بان هناك وكالة عامة لعضو مجلس النواب عن الشعب والامة ادعاء افتراضي لا يستند على الواقع و لايقوم على الحقيقة، اذ اصبح هذا القول اثرا بعد عين ولقد ادى تطور النظام النيابي الى تطور علاقة عضو مجلس النواب والناخبين اذ اخذت صورة هذا السبيل تتباعد تدريجيا عن الصورة التقليدية له، وادت التطورات الاجتماعية والاقتصادية والدينية والسياسية وسواها من التأثيرات والتطورات الحاصلة في عالم اليوم بما فيه عراقنا الجديد غير اننا لابد وان نقول ان الاصل والمبدأ والقاعدة هي ان على اعضاء مجلس النواب الجديد ان يجعلوا من العراق الوطن والعراقي المواطن الهدف والمقصد والغاية والأساس والمصدر والسبب وكل ماهو غيره يتلاشى وينهار امامه، فذلك هو الفلاح للعراقيين العباد والصلاح للوطن البلاد وما سواه وغيره مرفوض مواطنا وغير مقبول وطنا فالمعيار والفيصل هو هذا ودونه فرط القتاد الذي يكرهه العباد وتمقته البلاد.
المحامي طارق حرب
رئيس جمعية الثقافة القانونية العراقية
https://telegram.me/buratha